سمعتم ما قاله الشيخان فيما يتعلق بالمكاسب الخبيثة التي فشت بين الناس وحصل منها الضرر العظيم، ومرض القلوب، وانحراف القلوب، بل حصل منها الكفر بالله لبعض الناس الكفر والضلال نعوذ بالله، وهذا ناشئ عن أمور: منها الجهل، ومنها صحبة الأشرار، وخلطة الكفار، ومنها سعة الدنيا، وانبساط الرزق، إلى غير ذلك مما وقع فيه الناس، والأشياء المحرمة الخبيثة تارة تكون لذاتها محرمة لخبثها في نفسها كالميتة والخنزير والكلب والنجاسات، وسائر ما حرم الله لخبثه وفساده، والمسكرات التي حرمها على عباده لخبثها وإفسادها العقول، وسائر المخدرات كذلك لإفسادها العقول والأبدان، هذه محرمة لخبثها، ولهذا يقول سبحانه في كتابه العظيم في سورة المائدة: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ [المائدة:4] الجواب قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، هذا الجواب، ما أباح الله لعباده إلا الطيبات، يعني قل: يا أيها الرسول للناس أحل لكم الطيبات، فالمعنى أن الخبائث لم يحلها الله، وإنما أحل الطيبات، والخبائث منها ما هو خبيث في نفسه، ومنها ما هو خبيث لكسبه، ولكن الميتات والخنازير والمسكرات وأشباه ذلك كلها محرمة لخبثها في نفسها وضررها.
وقد كثرت هذه الخبائث في العصر الأخير، وانتشرت بين الناس، وأفسدت الكثير من الناس، وحصل بها الضرر العظيم من ظهور الفواحش والعدوان والظلم، وفساد القلوب، ومرضها، وانحرافها عن هدى الله الذي بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن هذا ما وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف حيث قال جل وعلا في وصفه: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، فالله إنما بعث رسله لإحلال الطيبات وتحريم الخبائث، فوجب على المجتمع على المكلفين أن يأخذوا بما جاءت به الرسل، وأن يقدموا ذلك على أهوائهم، وبهذا تحصل لهم السعادة العاجلة والآجلة، وبهذا يسلم مجتمعهم من الفساد.
وقد صدر منذ شهر بل أكثر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في موضوع المخدرات والمسكرات، فإن المجلس قد درسه مرات كثيرة في سنوات كثيرة وأصدر قرارًا أخيرًا بأن من ثبت عليه تهريب هذه المخدرات والمسكرات فإن الواجب قتله؛ لأنه أفسد في الأرض، وسعى في ضرر الناس، وظلمهم، فهو أشد من قطاع الطريق الذي يأخذون أموال الناس في الطرقات، فإن ضررهم مقيد بمن وقع في أيديهم وأخذوا ماله، ومع هذا شرع الله لولاة الأمور أن يقتلوهم أو يصلبوهم أو يقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف، أما المروج الذي يبيعها أو يهديها فيما بينه وبين الناس فهذا يعاقب بما يستحق من العقوبات الرادعة لأول مرة، فإن لم تنفع العقوبة ولم يرتدع عن ترويج هذا الفساد وجب قتله أيضًا ليستريح الناس من فساده في الأرض، أما من يشربها من يشرب المسكرات فحده الشرعي معروف.
والمقصود من هذا كله أن الواجب التعاون على محاربة هذه الخبائث كما قال الشيخان في ندوتهما، التعاون والحرص على نجاة الناس وسلامتهم، وأن يقوم كل واحد بنصيحة من حوله، وتبليغ من حوله، كان عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس يقول لهم: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فقد يسمع الإنسان ولكن ينتفع قليلًا، وقد يبلغ غيره فينتفع ذاك كثيرًا.
أما المحرم لكسبه فهو كثير، قد سمعتم في الندوة جملة من ذلك، فالغصب المال المغصوب محرم لكسبه، قد يغصب الإنسان دراهم هي نفسها طيبة ما فيها شيء الدراهم لكن إذا غصبها أخذها بغير حق صارت محرمة لكسبها، أخذها بالغصب بالربا بالرشوة صارت محرمة من أجل الكسب الخبيث.
وهكذا الأطعمة الطيبة الحنطة الرز التمر إذا أخذ بغير حقه صار محرمًا، إذا دخل عليه التمر بالرشوة الحنطة بالرشوة الرز بالرشوة الملابس بالرشوة بعقود محرمة بعقود الربا بالسرقة بالغصب بغير هذا من وجوه الكسب المحرم صارت محرمة في نفسها من أجل طريق كسبها المحرم، وقد وصف الله اليهود بذلك قال: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، اليهود من أخبث خلق الله، قال : فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:160-161].
فلا يليق بالمؤمن أن يتأسى بأعداء الله اليهود، وأن يسير في ركابهم في ظلم الناس وتعاطي الحرام من الربا والرشوة وغير هذا مما حرمه الله ، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام رواه البخاري في الصحيح، وسئل أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال في البيعين: فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة الله خصمهم، ومن كان الله خصمه فهو مغلوب رجل أعطى بي ثم غدر عاهد الله ثم غدر أعوذ بالله، ورجل باع حرًا فأكله ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره.
فينبغي لأهل الإيمان الحذر من كل ما حرم الله من الخبائث لذاته أو كسبها، وأن يحرص على ما أباح الله له، ويتعاطى أسباب الحلال ففيها غنية وفيها مقنع عما حرم الله عز وجل، ومن أخطر شيء على المسلمين ما سمعت من الخبائث التي تحدث عنها الشيخان، خبائث المسكرات والمخدرات، فالواجب التناصح والتعاون فيها على البر والتقوى، الإنسان مع ولده مع أخيه مع جاره مع صهره مع معارفه مع غيرهم ينصح لهم ويدعوهم إلى الخير، ويحذرهم من هذه الشرور.
ومن ذلك التدخين كما سمعتم فإنه فاش في الناس، وهم يعرفون ضرره، ويعرفون خبثه، ولكن مع ذلك لا يزال الشيطان يشجعهم على الصبر عليه وتعاطيه، وهذا مما أفسد الكثير من الناس، وأوقعهم في شر كثير، تجده فقيرًا محتاجًا للدرهم، ثم يصرفه في هذا المحرم الذي يضره ويضر أولاده، وينشأ أولاده على طريقته، فالواجب الحذر من هذا والحرص على القضاء عليه، فمضرته ظاهرة وخبثه ظاهر على من تعاطاه.
وهكذا من يتعاطى المسكرات فإنك إذا تأملت حال الناس وجدت الكثير من الناس قد بلي بهذا الأمر، والمفتون لا يحصون، من تسأل عن ما يتعاطاه زوجها من الفساد العظيم والخبث بسبب المسكرات والمخدرات، ولكن الله قد يستر على قوم، وقد يفضح آخرين بأسباب تهتكهم واستهتارهم بالمحارم وعدم مبالاتهم، نعوذ بالله، فيجب الحذر، ثم يجره هذا إلى ترك الصلوات -نعوذ بالله- إلى ما هو كفر أكبر، يجرهم إلى ترك الصلوات وفعل الفواحش المنكرة العظيمة بسبب ضياع العقول، إذا ضاعت العقول وقع كل بلاء، فيجب التواصي بترك هذه الشرور، والحذر منها، والنصيحة في ذلك، كما يجب على الدولة -وفقها الله- أن تضاعف من العقوبات لهؤلاء، وأن تنفذ ما يجب في حق هؤلاء، لعل الله يرحم المسلمين، ولعل الله يكفيهم شر العقوبات العامة بأسباب هؤلاء، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.