وقد سمعتم أيضًا ما يتعلق بالتورق، مسألة التورق ويسيمها بعض العامة معاملة الوعدة، ويقال لها: التورق عند الفقهاء، وهي -كما سمعتم- جائزة عند جمع من أهل العلم، والقول بجوازها هو قول جمهور أهل العلم، وهي في الحقيقة تعين المؤمن على البعد عن الربا، وتساعده على قضاء حاجته من غير ربا، وهي معاملة واضحة في حلها من الشرع داخلة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، والمحتاج قد يضطر إليها، أو إلى الربا، ليس كل أحد يجد من يقرضه أو يهبه، فيضطر صاحب الحاجة لقضاء دين ألجئ إليه، أو لزواج، أو لعمارة مسكن، أو غير هذا من الحاجات، فيشتري هذه السلعة المعينة سيارة أو أرض أو سكر أو خام أو غير ذلك يشتري من هذه السلع إلى أجل معلوم ثم يبيعه هو بالنقود ليقضي حاجته، فهو لم يقصد السلعة نفسها، وإنما قصد بيعها ليستفيد من ثمنها في حاجاته التي عرضت له، وهذا البيع قد يقع حتى من التجار، قد يشتري التاجر السلعة ما أراد السلعة وإنما أراد بيعها لحاجات أخرى؛ لأن عنده زبون يشتري هذه السلعة ويريدها، فهو إنما أرادها ليبيعها، وليس في هذا محذور أن يشتري السلعة للبيع، فالتاجر يشتري السلع لا ليستعملها يشتريها ليبيعها، فهذا الذي محتاج اشتراها ليبيعها أيضًا.
لكن الملاحظ مثل ما سمعتم في الندوة أن بعض الناس لا يحسن شراءها ولا يحسن بيعها، فهذا هو الخطأ الذي يقع في مسألة التورق، الواجب على البائع أن يبيع ما قد ملك، لا يبيع ما لا يملك، يبيع الشيء عند التجار لا، الرسول ﷺ يقول: لا تبع ما ليس عندك، ويقول: لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك، فلا يبيعه إلا شيئًا قد ملكه في بيته في دكانه ....... أو غير ذلك، أو سيارة أو غير ذلك عنده مملوكة مقبوضة يبيعها إلى أجل معلوم، ثم المشتري إذا اشترى لا يبيعها وهي عند التاجر أو يقبض الثمن يقول: هي لك أعطني ثمنها لا، هذا ما يجوز، أيضًا هذا منكر، فلا بد من المشتري أن يقبضها ويحوزها، ثم يبيعها بعد ذلك في يومه أو في غد أو بعد أيام، هذا هو الطريق السليم، فالخلل يقع من البائع، أو من المشتري في الكيفية، وإلا فأصل المبايعة والمعاملة لا بأس بها على الصحيح، وإن كان بعض أهل العلم قد أبى ذلك، ولكن الصواب هو حلها كما قال جمهور أهل العلم، ولكن يجب على البائع ألا يبيع إلا ما كان عنده مقبوضًا محجوزًا، ثم المشتري كذلك لا تحمله العجلة على أن يبيع قبل القبض لا، يقبض ويحوز ثم بعد هذا يتصرف بعد ذلك، ولا يبيعها على من اشتراها منه فيقع في العينة، لكن يبيعها على الناس على الآخرين من غير تواطؤ بينه وبين البائع، يشتريها ويحوزها ثم يبيعها في السوق يبيعها في بيته يبيعها في أي مكان بما يسر الله له ليقضي حاجته، هذه هي التورق، وهذه هي الوعدة.
وقد يقع بعض الناس أيضًا في مسألة الوعدة في منكر إذا لم يقضه المشتري تحيل في الزيادة عليه لا يستطيع أن يقول: أنا أمهلك لكن بزيادة، فيقع في ربا الجاهلية، ويفتضح بين إخوانه المسلمين، فيتحيل إما بعقد وهمي ما له حقيقة يكتبان بينهما عقدًا بزيادة، مثلا الدين ثلاثة آلاف فيكتبان عقدًا ليس له حقيقة بأن عنده له ثلاثة آلاف وستمئة، فيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله والله يعلم ما في القلوب، وما هو الحقيقة، وهذا أعظم في الخداع والإثم، نعوذ بالله، وتارة بعقد يسمى التصحيح، يعقدون عقدًا جديدًا يسمى التصحيح، ويسمى قلب الدين، فيقول: يا فلان ما أعطيتني حل الدين ما أوفيتني، قال: ما عندي شيء أنا عاجز أمهلني، يقول: لا اشتر مني سلعة أخرى إلى أجل، ثم بعها وأوفني الدين الأول حتى يقلب عليه الدين ويزداد الدين، والدين هذه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف فيبيعها سلعة مثلًا إلى أجل معلوم بخمسة آلاف ستة آلاف، ثم هذا المشتري يبيعها ويعطيه ثمنها عن دينه الأول، وهذا أيضًا منكر ألجأه إليه، وهو الذي يسمونه التصحيح، وهو التفسيد، هو تفسيد في الحقيقة؛ لأنه تحيل على الربا، وتحيل على ظلم أخيه وعدم إنظاره، والله يقول سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
ثم مثل ما سمعتم في الندوة ينبغي لمن يعامل الناس أن يرفق بهم، وهذا من أسباب أن الله جل وعلا يحفظ عليه ماله، ومن أسباب أن المدين يوفي بنفس سامحة بنفس طيبة، فالرفق بالناس وعدم التثقيل عليهم وعدم الزيادة في الربح الكثير هذا مما يشرع، ومما يحبه الله، ومما يسهل على المدين قضاء الدين، ومما يجعل نفسه طيبة ليس فيها شيء على أخيه، فالتسامح في هذا وجعل الربح ليس بالكثير كالثلاثة في المائة والاثنين في المائة وما يقارب ذلك هذا مما يسهل على المدين قضاء الدين، ويجعله يحرص على قضاء الدين بنفس طيبة، أما إذا تذكر أنه حمله شيئًا كثيرًا ثقل عليه وصار في قلبه عليه شيء لكونه استغل عجزه وحاجته وإن كان أصل الزيادة لا حد لها، الأرباح ليس لها حد، والناس يختلفون في الربح، فمنهم من هو سريع الوفاء، فيكتفون التجار منه بالشيء القليل من الربح، ومنهم من هو معروف بالمماطلة وقلة الوفاء فيزيدون عليه، ثم الأجل يختلف قد يكون الأجل قليلًا فيقل الربح، قد يكون الأجل طويلًا، فيزيد الربح يختلف، وقد ثبت عنه ﷺ أنه اشترى البعير بالبعيرين لأجل الصدقة، فالحاصل أن هذا يختلف باختلاف الناس لكن مأمور المداين وصاحب المال مأمور ومشروع له أن يرفق بإخوانه، وأن ينفس لهم ويسهل عليهم، وأن يجعل الربح قليلًا، مناسبًا حتى ينشطوا في القضاء، وحتى يشكروا له عمله، وحتى يوفوه بنفس طيبة، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.