فالخلاصة مما ذكره المشايخ في هذا المقام أن الواجب النظر في الكسب وفي المصرف، وأن تكون طيب الكسب طيب المصرف، وأن تحذر أن تكون خبيث الكسب أو خبيث المصرف، أو خبيثهما جميعًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا بد أن يكون الكسب طيبًا، من طرق أحلها الله عز وجل، سئل عليه الصلاة والسلام: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال: ما أكل أحد طعامًا خير من أن يأكل من عمل يده، وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
فالغنائم أفضل المكاسب، الغنائم التي أباحها الله لهذه الأمة من الكفار هي أفضل المكاسب الناشئة عن الجهاد الشرعي في سبيل الله، وكانت هي كسب النبي عليه الصلاة والسلام، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وليست المقصود من الغنائم أن يقاتل الكفار لأجلها لا، المقصود من الجهاد أن يسلموا وأن يدعوهم إلى دين الله، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، هذا المقصود، لكن الغنائم تأتي بالأمر الثانوي تبعًا غير مقصودة، المقصود أن نعرفهم أمر الله، وأن نبلغهم دين الله، وأن ندعو الناس إلى ما خلقوا له من طاعة الله وعبادته، فإن أجابوا ودخلوا في دين الله فهذا هو المطلوب كما قال النبي لعلي : لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم، وأمره أن يدعو إلى الله قبل كل شيء، فإن أجابوا فالحمد لله، وإن أبوا سلبوا الجزية، وهي مال يضرب عليهم كل سنة بدلًا من تركهم وعدم جهادهم لعلهم ينيبون، لعلهم ينظرون في أمرهم لعلهم يهتدون، إذا كانوا من أهل الجزية كاليهود والنصارى والمجوس فإن أبوا وجب قتالهم مع القدرة، وجب على المسلمين أن يقاتلوهم مع القدرة إذا استطاعوا ذلك، وتكون أموالهم وذرياتهم ونساؤهم بعد الظهور عليهم غنيمة للمسلمين وحل للمسلمين، الأموال للمسلمين تقسم بينهم، وخمسها لبيت المال، ونساؤهم وذرياتهم أرقاء للمسلمين توزع فيما بينهم، والمسلم يستعمل ذرياتهم ونساءهم، يستخدمهم ينتفع بهم، يعلمهم دين الله، يعلمهم الإسلام، يخرجهم من الظلمات إلى النور، فسبيهم خير لهم إذا سبوا صار خير لهم؛ لأنهم يعلمون الإسلام، ويوجهون إلى الدين، ويعلمهم ساداتهم ويستخدمونهم وينتفعون بهم فيكون ذلك خير لهم من بقائهم على الكفر والضلال، فالإسلام رحمة لهم يدعوهم إلى الله، إذا أبى رجالهم وأبى كبارهم وعاندوا قتل أولئك الكبار والمعاندون، وأخذ النساء والذرية غنيمة يعلمون الإسلام، ويوجهون إلى الإسلام، ويعلمون دين الله، ويستفيدون من المسلمين، ويخرجهم الله بالمسلمين من الظلمات إلى النور.
فأنواع المكاسب كثيرة من البيع والشراء وأنواع الكسب باليد من صناعات متنوعة التي لا تحصى كلها من كسب اليد مع النصح ومع عدم الخيانة والغش من أفضل الكسب، إذا كان ذا صنعة يعمل بيده ولا يغش ولا يخون بل يستعمل الصدق والبيان صار هذا من أفضل المكاسب، صناعة حدادة نجارة كتابة أي كسب من أنواع الصناعة، كذلك الزراعة من أفضل المكاسب؛ لما فيها من التعب وعمل البدن والسمع والبصر كل شيء ولما فيها من نفع المسلمين، وهكذا البيع والشراء والتجارة وهي عمل أصحاب النبي ﷺ، كان الغالب على أصحاب النبي ﷺ من المهاجرين الغالب عليهم التجارة، والغالب على الأنصار الزراعة، وفي الجميع من هو ذا صنعة من الصناعات التي تنفع، فالواجب على أهل الإسلام أن يعنوا بالمكاسب الطيبة التي ليس فيها خيانات ولا غش ولا كذب، بل صنعة بريئة بعيدة عن الغش والخيانة وعن الكذب، بل يعامل إخوانه بالصدق والبيان والنصح في كل أعماله، في زراعته في تجارته في صناعته في كل جميع أكسابه، ويأكل منها، وينفق يستعين بها على طاعة الله، وينفق على من تحت يده، ويؤدي ما عليه من زكاة، ويواسي الفقير والمسكين، ويعطي السائل والمحروم هذا خير عظيم.