وجوب التعاون على البر والتقوى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة القيمة في «حكم الكسب الحرام» من صاحبي الفضيلة: الشيخ عبد الرحمن الدرويش، والشيخ عبد الله بن صالح القُصير.

وقد أجادا وأفادا وبينا ما ينبغي بيانه في هذا المقام، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا.

لا شك أن هذه المكاسب التي ذكرها الشيخان مكاسب خبيثة يجب الحذر منها، والله جل وعلا إنما أباح لعباده الطيبات وحرم عليهم الخبائث؛ رحمة بهم وإحسانًا إليهم وتطهيرًا لقلوبهم وأبدانهم ومجتمعهم مما يغضبه سبحانه، ومما يضرهم في العاجل والآجل.

وهو سبحانه أرحم بعباده منهم ومن أمهاتهم، وهو الحكيم العليم فيما يقضي ويدبر في أمر عباده، كما أنه الحكيم العليم فيما يشرعه لهم ويأمرهم به وينهاهم عنه.

فالواجب على المكلفين أن يتمسكوا بما شرع الله لهم فعلًا وتركًا، وأن يتواصوا بذلك أينما كانوا، ففيما شرعه الله لهم وأباحه لهم غنية وكفاية عما حرّم عليهم وعما لم يشرعه له.

ومن أصول هذا الدين الذي هو الإسلام التعاون على البر والتقوى بين المسلمين والتواصي بالحق والصبر عليه، والحذر من التعاون على الإثم والعدوان، كما يقول جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، ثم يقول بعد هذا: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب [المائدة: 2] المعنى: شديد عقابه لمن خالف أمره وركب محارمه، ويقول جل وعلا: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1-3].

فأبان سبحانه أن الرابحين السعداء هم الذين تخلقوا بهذه الصفات الأربع، يعني: الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، هؤلاء هم الرابحون، هم السعداء، هم الناجون من الخسارة في الدنيا والآخرة.

وبين النبي ﷺ أن الدين النصيحة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة، وفي لفظ آخرها: كررها ثلاثًا، فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

 فالنصيحة لله: الإخلاص له سبحانه، وتوحيده، والإيمان به، وبما أخبر به، وشرعه لعباده.

والنصيحة للقرآن: الإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، والعمل بما فيه من الأوامر والنواهي، وتصديق أخباره، والوقوف عند حدوده.

والنصيحة للرسول ﷺ: الإيمان به عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول الله حقًا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وتعظيم شرعه، والاستقامة عليه، والدعوة إليه، والموالاة عليه، والمعاداة عليه، هكذا يكون الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام.

وهذا هو الطريق لمحبة الله للعبد، فمن أراد أن يفوز بمحبة الله له والفوز بدار الكرامة فعليه باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والتمسك بما جاء به كما قال الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31].

فالمحبة من الله وغفران الذنوب والفوز بالجنة والكرامة كل ذلك معلق باتباع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام والسير على منهاجه.

والنصيحة لأئمة المسلمين من الأمراء والملوك والرؤساء وشيوخ القبائل ونحوهم من الرؤساء النصيحة لهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن الله يوفقهم ويعينهم على الخير ويسدد خطاهم وينفع بهم عباده، وإعانتهم على ذلك، إعانتهم على تنفيذ الحق وعلى قمع الباطل، والصدق في أداء حقهم، وما يسند إليك من وظائفهم، والسمع والطاعة لهم في المعروف، وحث الناس على ذلك أن يسمعوا ويطيعوا في المعروف، كل ذلك من النصيحة لولاة الأمور، وليس هذا خاصًا بالسلطان وحده (الملك أو رئيس الجمهورية وحده) لا، بل هو عام، فرئيس الجمهورية والملك والوزراء وشيوخ القبائل الذين يُرجع إليهم وعمد الحارات وأمراء البلدان والقرى وهكذا من له سلطة فهو إمام في محله يُنصح له ويُعان على الخير ويعاون على ترك الشرك، حتى يصلح المجتمع، ويستقيم على أمر الله وشريعته، وحتى تأمن البلاد ويستريح العباد.

ثم النصيحة لعامة المسلمين: بتوجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، وإرشاد ضالهم، وإقامة الحدود عليهم إذا وجبت؛ فإن في ذلك سعادتهم ونجاتهم.

وقد ثبت في الصحيحين عن جرير بن عبدالله البجلي قال: بايعت النبي ﷺ على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

مبايعة معاهدة على أنه يقيم الصلاة على أنه يؤدي الزكاة على أنه ينصح لكل مسلم.

 وفي اللفظ الآخر: بايعت النبي ﷺ على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم.

بيعة أن تنصح لإخوانك وألا تغشهم.

ومن ذلك الحديث المعروف المخرّج في الصحيحين عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذا أمره عظيم لا يؤمن أحدكم يعني: الإيمان الواجب حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه معناه إذا غش أخاه أو ظلم أخاه أو أحب له الشرور فهو ضعيف الإيمان ما استكمل الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وفي الحديث الآخر يقول: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه أي: شره وعدوانه وظلمه باللسان أو بالفعال.

ويقول ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه، ويقول ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى متفق على صحته.

فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يحذروا التعاون على الإثم والعدوان.