بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة القيمة المتعلقة بموضوع العبادة، والتي تولاها صاحبا الفضيلة: الدكتور صالح الفوزان، والدكتور عبدالرحمن الدرويش، وقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه في هذا المقام العظيم، وهو مقام العبادة، وبيان حقيقتها، وبيان شرطها، فجزاهما الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا من الخير.
ولا ريب أن العبادة هي الهدف، وهي الحكمة، وهي الأساس، وهي الغاية التي من أجلها خلق الله الثقلين، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب جل وعلا، كل ذلك ليعبد وحده لا شريك له، كل ذلك لتكون العبادة لله وحده، فمن الناس من قبل هذا الخير، واستقام على عبادة ربه، وعظمه سبحانه، وأخلص له، وتابع رسله، وهم الأقلون، وأكثر الخلق والعياذ بالله أعرض عن هذا الخير العظيم، وعادى الرسل، وأعرض عما جاءوا به، وتابع الهوى والشيطان، كما قال في كتابه العظيم: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ [الأنعام:116]، ولما ذكر جماعة من الرسل عليهم الصلاة والسلام في سورة الشعراء قال بعد كل قصة رسول: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:8-9].
فجدير بالمؤمن وجدير بالعاقل أن يحذر أن يصيبه ما أصاب الأكثرين، فإن المصيبة والبلاء إذا كثر أهله صار الخوف منه أكثر، فكيف إذا كان أهله هم الأكثرين يكون الخطر أعظم، لئلا يصيبك ما أصاب أولئك الأكثرين من الجهل والإعراض والاستكبار عن طاعة المولى وعبادته ، والله أنزل في كتابه العظيم قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] واضح أنهم لم يخلقوا سدى، هؤلاء الجن وهؤلاء الإنس لم يخلقوا سدى ولا عبثًا، بل خلقوا لأمر عظيم وحكمة عظيمة، وهي أن يعبد وحده لا شريك له بطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص له في ذلك، وأرسل الرسل لهذا الأمر كما سمعتم بين ذلك في قصص الأنبياء بعد كل نبي يقول: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3]، فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]، في آيات كلها تدل على أن الواجب على هؤلاء المكلفين أن يعبدوا الله وحده بطاعة أوامره وترك نواهيه واتباع رسله.