ثم مما يتعلق بالموضوع ما خطه بالبحث وهو صيام عاشوراء، وهو ما يتعلق بفضل الزمان، وعاشوراء كما سمعتم يوم نجا الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، كان موسى عليه الصلاة والسلام خرج ببني إسرائيل من مصر مباعدًا لهم عن فرعون وأذاه لهم، واستعباده لهم، وخرج بذلك مغاضبًا فرعون، ومخالفًا له، ومريدا التخلص من أذاه وظلمه، فلما فعل موسى ذلك غضب فرعون ودعا قومه للتأهب للحرب، وخرج بقومه بجند عظيم يتبع موسى عليه الصلاة والسلام للقتال، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، قال موسى عليه الصلاة والسلام: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، فأوحى الله إليه وأمره أن يضرب البحر بعصاه، ففلق البحر وصار لهم اثنا عشر طريقًا في البحر بينهم الماء قائم كالجدران، فمروا في البحر وأنجاهم الله من شر فرعون، وأمسك الله الماء لئلا يجري، حتى خلصهم وأنجاهم من شر فرعون، فلما خلص آخرهم دخل فرعون وقومه وتكاملوا في البحر، عند خروج آخر بني إسرائيل دخول آخر أتباع فرعون، فلما تكاملوا في البحر أطبق الله عليهم البحر، فأغرقهم جميعًا، وأهلكهم جميعًا، فضلًا منه وإحسانًا، وانتقامًا من أعدائه، فكانت نعمة عظيمة على المسلمين من بني إسرائيل وغيرهم، وكانت نقمة عظيمة وعقوبة شديدة عاجلة لفرعون وقومه، وعذاب الله يوم القيامة أشد كما قال جل وعلا: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، نسأل الله العافية.
فصام موسى هذا اليوم شكرًا لله ، وصامه بنو إسرائيل، وصامته العرب تبعًا لهم، صامته قريش، وصامه النبي ﷺ معهم، ثم لما قدم عليه الصلاة والسلام المدينة وسأل عن عمل اليهود فيها قالوا: إنه يصومون هذا اليوم، قال: نحن أحق وأولى بموسى منكم فأمر المسلمين أن يصوموه، وأكد عليهم في ذلك، وأمر القرى التي حول المدينة أن تصومه، وأمر من أصبح مفطرًا أن يصوم ويمسك، فذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا واجب، وأنه استقر وجوبه في السنة التي هي أول السنة الأولى، أو أول السنة الثانية من الهجرة، فإنه قدم ﷺ في ربيع أول في الهجرة إلى المدينة المنورة وعلى دورها جاء عاشوراء في آخر السنة الأولى، وهو يعتبر من أول السنة الثانية بعدما ...... الهجرة في المحرم، فصامه وأمر الناس بالصيام.
ثم فرض الله جل وعلا رمضان، فترك عاشوراء، ولم يتأكد صومه بعد ذلك، فقال جماعة من أهل العلم: إنه نسخ وجوبه، وصار إلى السنية، وقال آخرون: إنه لم ينسخ وجوبه، إنه لم يجب أصلًا، وإنما كان متأكدًا، فلما فرض رمضان زال التأكد، وبقي الاستحباب والسنية، واحتجوا بما جاء في الحديث الصحيح عن معاوية رضي الله عنه أن النبي ﷺم قال: إن الله لم يكتب عليكم صيامه، وأمرهم بالصيام عليه الصلاة والسلام، قالوا: فهذا يدل على أنه لم يكن مفروضا، وإنما كان متأكدًا، وكان مستحبًا، وبقي صومه إلى يومنا هذا مستحبًا.
وقال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن يوم عاشوراء قال: يكفر الله به السنة التي قبله، ولما سئل عن صوم يوم عرفة، قال: يكفر الله به السنة التي قبله والتي بعده، فدل ذلك على أن هذين اليومين يشرع صومهما: صوم يوم عاشوراء، وصوم يوم عرفة، وشرع الله لنا أن نصوم معه قبله يوم وبعده يوم، قيل للنبي ﷺ في آخر حياته: إنهم يصومون هذا اليوم، يذكرونه ﷺ بذلك، فقال: لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يعني خلافًا لهم، وجاء في المسند وغيره أنه ﷺ أمر بصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، وفي رواية أخرى: يومًا قبله ويومًا بعده بالواو.
فالسنة أن يخالف اليهود في ذلك، فيصام اليوم العاشر وقبله يوم أو بعده يوم، أو يصام اليومان اللذان قبله وبعده، فيكون الجميع ثلاثة أيام، السبت في هذه السنة السبت والأحد والاثنين، فإن السبت هو التاسع، والأحد هو العاشر، والاثنين هو الحادي عشر، فإذا صام السبت والأحد أو الأحد والاثنين فقد أدى السنة، أو صام الثلاثة كل ذلك من السنة، وكل ذلك خير، وفيه مخالفة لليهود مخالفة كاملة، وفيه صيام ثلاثة أيام من كل شهر، إذا صام الثلاث فكل ذلك مما ينبغي للمؤمن أن يفعله من باب الاستحباب لا من باب الوجوب.
وقد أحسن صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله فيما بين بوجود طرفي خطأ في هذا اليوم، فالذين زادوا فيه وجعلوه عيدًا وأكثروا في النفقات وأمروا فيه الزينة وغير ذلك فقد أخطؤوا في هذا، وزادوا على السنة، وابتدعوا ما لم يشرعه الله، والذين جعلوه يوم مأتم ويوم حزن كالرافضة يضربون فيه صدورهم وأجسادهم ويضرون أنفسهم بالحديد وغير الحديد ويشتمون ويلعنون كل هذا من جهلهم وضلالهم وبدعتهم الشنيعة، نسأل الله العافية، تتكرر كل عام، وهذا منكر عظيم، حتى في وقت الموت حتى في الساعة التي قتل فيها الحسين هو منكر؛ لأن النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب منكر مطلقًا في أي مصيبة، النبي ﷺ أنكر هذا قال: ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية، وقال: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة، والصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها، والشاقة التي تشق ثوبها، كل هذا منكر نعوذ بالله، وهؤلاء يكررون ذلك بزعمهم أنه انتصار لأهل البيت، وأنه حزن عليهم، وقد أضروا أنفسهم بذلك، وأغضبوا الله عليهم بهذا العمل السيئ، وخالفوا الشريعة وأحدثوا بدعة منكرة في هذا الأمر.
وكان الحسين بن علي خرج من مكة لقصد العراق لما بلغه عن يزيد بن معاوية ما بلغه من الأمور المنكرة، وأراد بذلك أن يجمع كلمة المسلمين على خير، وأن يقوم بحكم شريعة الله ، وقد نصحه بعض إخوانه من الصحابة ألا يخرج، ولكنه أراد باجتهاده أن يخرج، وأن يقوم بما يستطيع من تحكيم شريعة الله، وجمع الناس على الخير والهدى، وإزالة حكم يزيد الذي بلغه عنه ما بلغه، فلما وصل إلى قرب العراق خذله أهل العراق، ولم يخرجوا لنصرته، بل خرجوا لقتاله، وخرج أمير العراق عبيد الله بن زياد بعث له جيشًا عليه عمر بن سعد بن أبي وقاص وحصل بينه وبينهم قتال، وكان ليس معه إلا عدد قليل من أهل بيته فقتل ، وقتل جمع كثير ممن معه في ذلك المكان في كربلاء، وأخطأ عبيد الله بن زياد في ذلك، فإن حسينًا أراد الرجوع وترك الفتنة أو الذهاب إلى يزيد أو إلى بعض ....... فأبى عليه هذا الجيش، ولم يزالوا به حتى قتلوه، وأرادوا منه أن يستأسر فلم يستأسر فقتلوه ظلمًا وعدوانًا وخطأ، وصارت مصيبة عظيمة فتحت على الناس باب شر عظيم، نسأل الله العافية، وقد أخطؤوا في هذا العمل، رضي الله عن الحسين ورحمه وعفا عنه وعنا وعن جميع المسلمين، وعامل الله من فعل معه ما فعل من العدوان بما يستحق، وكفى الله شر الرافضة وأعمالهم الخبيثة، وردهم للإسلام والهدى، ونسأل الله أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يعيذنا وإياكم من البدع جميعًا قليلها وكثيرها، وأن يوفقنا جميعًا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة، والعض عليها بالنواجذ.