حكمة ابتلاء ابن آدم بالشيطان ووساوسه

ومن الحكم في ذلك أن الله جل وعلا يبين به الصادق في عبادته لله وإخلاصه لله ورغبته فيما عند الله، والكاذب في دعواه وعبادته، ويبين بذلك أهل الجد والرغبة في الخير، والمبادرة إلى طاعة المولى، والأخذ بالسبل والوسائل التي توصل إلى رحمته وهدايته وتوفيقه، وبيان من هو متبع للهوى متبع لخطوات الشيطان يميل مع ما تهواه نفسه ويتبع كل شيطان مريد، لا يبالي بما يرضي الله ولا بما يسخطه، وفي وجود هذا العدو المبين حكم كثيرة أيضًا، فإن الله يعلم أحوال عباده، ويعلم ما تنطوي عليه ضمائرهم، وقد أنظر هذا العدو المبين ليزين ويضل ويغوي إلا من هدى الله، حتى يجتهد العبد الصادق الراغب فيما عند الله في الأخذ بوسائل النجاة، وأسباب العافية، ويضرع إلى الله ويلجأ إليه ويستعين به من نزغاته، ويتحمل الجهاد في سبيله حتى يلقى ربه وهو مجاهد في محاربة هذا العدو، وحمل السلاح دائمًا للحذر من نزغاته وهمزاته وتزيينه ووساوسه، حتى يلقى ربه وحتى يتبين من هو معرض وغافل ومتساهل وليس عنده الاهتمام والحذر، وحتى يتبين من هو مائل مع شهوته، وحظه العاجل، ومع عدوه الشيطان، ممن هو بخلاف ذلك، وقد أخبر الله عن هذا العدو المبين فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، وقال عنه: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40]، وقال في الآية: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17]، قد أقسم بذلك وقال الله عنه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، والشيطان قد أنظر وقد توعد وبين أنه سوف ينزل كل شيء في إغواء بني آدم وبصدهم عن الطريق وفي  إغوائهم عن السبيل إلا عباد الله المخلصين، فعباد الله محفوظون منه، عباد الله المخلصون محفوظون منه بإخلاصهم وصدقهم، وإقبالهم على الله، واستعانتهم به، وتوجههم إليه، وطلبهم الحفظ منه من هذا العدو المبين، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ۝ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:42-44]، فالشيطان ليس له سلطان إلا على من تولاه، وأشرك به، ومال إليه، وأقبل عليه، وأطاع وساوسه وهمزاته ونزغاته، أما من أقبل على الله وصدق في الإخلاص لله واتباع سبيله والتمسك بشريعته فإن الله يحفظه من هذا العدو المبين، ويكفيه شره، ويعيذه من خطواته.