ومن أصيب بالسحر فليس له أن يتداوى بالسحر كما سمعتم من الشيخين، فإن الشر لا يزال بالشر، فالكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير، ولهذا لما سئل عن النشرة قال: هي من عمل الشيطان، والنشرة حل السحر عن المسحور هذه النشرة، حل السحر عن المسحور يقال لها: نشرة، فإن كان بالقرآن والأدوية المباحة فهذا لا بأس، أما إن كان بالسحر فلا لأن السحر عبادة للشياطين، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقربه إليهم بما يريدون بعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر.
لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة بالتعوذات الشرعية بالأدوية المباحة كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يشفى، ما كل مريض يشفى، قد يعالج ويطيب ويشفى إذا كان الأجل مؤخرًا، وقد لا يشفى ويموت من هذا المرض، ولو يعرض على أحذق الأطباء وأعلم الأطباء متى نزل الأجل ما في حيلة، إنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا تأخر الآجل.
كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء وقد لا يكتب الله له الشفاء ابتلاء وامتحانًا، وقد يكون لأسباب يعلمها الله جل وعلا، قد يكون للذي عالجه ليس أهل للعلاج، قد تكون له أسباب أخرى، وقد سمعتم من العلاج أنه يعالج بالقراءة، فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن هي الفاتحة تكرر عليها، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وأنه مصرف الأمور وأنه متى قال للشيء: كن، فإنه يكون، فإذا صدرت القراءة عن إيمان وعن تقوى وعن إخلاص وكرر ذلك فقد يزول السحر ويشفى منه.
وقد وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مروا على بادية عندهم لديغ شيخهم لديغ يعني أميرهم لديغ قد فعلوا كل شيء ولم ينفعه فقالوا لبعض الصحابة هل فيكم من قارئ؟ قالوا: نعم فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة، فقام كأنه نشط من عقال في الحال وعافاه الله ...... النبي قال: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا، وقد رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، فالرقية فيها خير كثير، وفيها نفع عظيم، فإذا قرئ عليه بالفاتحة بآية الكرسي بقل هو الله أحد والمعوذتين بغيرها من الآيات مع الدعوات الطيبة اللهم رب الناس أنزل الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا يكرر ذلك ثلاثًا أو أكثر، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد اللهم يشفيك، بسم الله أرقيك، فقد رقى جبرائيل النبي ﷺ بهذه الرقية بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك، هذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود أنه إذا رقي بها اللديغ والمسحور والمريض قد يعافيه الله في الحال، أو بعد أيام قلائل، لله الحكمة البالغة ، وقد لا يشفى لحكمة وقدر سابق، ومما يستعمل في الرقية آيات السحر تقرأ في الماء، آيات السحر التي في الأعراف وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الأعراف:117]، وآيات يونس وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [يونس:79] إلى قوله جل وعلا: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:82] كذلك آيات طه قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى [طه:65] إلى آخر الآيات، هذه أيضًا مما ينفع الله بها في الرقية، وقد يقرأ القارئ بذلك في الماء يقرأ بالفاتحة وآية الكرسي وآيات السحر وقل هو الله أحد والمعوذتين في الماء ثم يصبه على من يظن أنه مسحور أو محبوس عن زوجته فيشفى بإذن الله، وقد يوضع فيه سبع ورقات من السدر الأخضر كما ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد عن بعض أهل العلم، قد يوضع فيه هذه الورقات تدق وتوضع في الماء ويقرأ فيها آيات السحر والفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتين وآية الكرسي، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] أيضًا ينفع الله بذلك، يشرب مما تيسر ويصب عليه ينفع الله به.
فالمقصود أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يعالج به هذا البلاء، يعالج به السحر، ويعالج به من حبس عن زوجته، يعالج بهذا ويشفى أيضًا، وقد يعالج بالفاتحة وحدها ويشفى، وقد يعالج بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين وحدها ويشفى، فالمهم أن يكون المعالج والمعالج عندهما إيمان، وعندهما ثقة بالله، وعلم بأنه سبحانه مصرف الأمور، وأنه متى شاء شيئًا كان، وإذا لم يشأ لم يكن ، فالأمر بيده جل وعلا، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه يزول المرض بإذن الله بسرعة وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية.