الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحب الفضيلة: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ عبدالله بن زايد، في موضوع خطير، والناس في أشد الحاجة إلى التنبيه عليه، والتحذير منه، وهو موضوع الربا، ولقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه في هذا الموضوع، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، وزادهما وإيانًا وإياكم علمًا وهدى وتوفيقًا.
لا شك أن هذا الموضوع جدير بالعناية، وقد تورط فيه كثير من الناس، وإن كان هناك بحمد الله من هو يحذر الربا ولكنه قد عم وطم وقل من يسلم منه، وقد جاء في الحديث الصحيح: يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، قيل: يا رسول الله الناس كلهم؟ قال: من لم يأكله نال من غباره، فالأمر خطير بسبب كثرة البنوك وكثرة التساهل وضعف الإيمان وشدة الجشع في تحصيل الدنيا.
وقد سمعتم في هذه الندوة الخير الكثير والفوائد الجمة، وأن الواجب على المؤمن أن يتقي الله في تحصيل المال، قبل كل شيء يجب أن يعتني بهذا الأمر حتى لا يقع فيما حرم الله، حب المال -كما سمعتم- غريزة في النفوس، ولكن يجب على المؤمن أن يحوط هذه الغريزة بما جاء به الشرع حتى لا ينفلت فيقع فيما حرم الله، وقد قال جل وعلا: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وقال سبحانه: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، يعني المال، فالمال محبوب للنفوس، وبه تقضى الحاجات، وبه يستغني الإنسان عن الحاجة إلى الغير، وفوائده كثيرة لكن يجب على المسلم أن يحذر ما حرم الله عليه، وألا يحمله حب المال على تعاطيه بغير طريقه الشرعي، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه، فهو مسؤول، وقد ذم الله من ألهاه التكاثر حتى زار المقابر قال : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، يعني حتى انتقلتم إلى القبور بالموت، وسمى الموت زيارة لأن القبور ليست هي المقر الأخير، بل وراء القبور شيء آخر، فالناس حين ينقلون إلى القبور إنما ينقلون إليها للإقامة فيها إقامة مؤقتة، ثم يخرجون منها إلى الوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء، ثم إلى الجنة أو النار، هذاك هو المقر الأخير، إما الجنة وهي للمتقين وإما النار وهي للكافرين، والعصاة على خطر بين وبين، فالعاصي على خطر من ذلك، وإن كان العاصي لا يخلد في النار إذا كان مات على التوحيد والإيمان كما قاله أهل السنة والجماعة لكنه على خطر من دخولها بمعاصيه التي مات عليها، فليحذر، ومن جملة ذلك الربا، وقد توعد الله أهله بالنار كما قال : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] يعني من عاد إلى الربا بعدما جاءته الموعظة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، هذا وعيد عظيم أن صاحب الربا يخلد في النار، وهذا على حالين: إحداهما أن يكون استحله فيكفر بذلك -نعوذ بالله- ويخلد في النار مع الكفار، من استحل الربا ورآه حلالًا وأنكر تحريم الله له فإنه يكون كافرًا ويكون أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ لأن من استحل ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة صار من الكافرين وانتقض إسلامه، فإذا استحل الزنا مثلًا أو الربا أو اللواط أو العقوق أو السرقة أو ما أشبه ذلك انتقض إسلامه وصار في حكم المرتدين إذا كان ممن يعلم ذلك أو أقيمت عليه الحجة بذلك إذا كان بعيدا عن بلاد المسلمين لا يشعر بهذا الأمر.
والحال الثانية أن يكون ما استحله ولكن حمله حب المال والجشع حتى فعل الربا بعد العلم فهو متوعد بالنار والخلود فيها أيضًا لكنه خلود غير خلود الكفار، خلود مؤقت له نهاية، فإن الخلود خلودان: خلود لا نهاية له وهذا هو خلود الكفار -نعوذ بالله- لا يخرجون منها أبدًا كما قال سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، ويقول : يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] نسأل الله العافية.
الخلود الثاني: خلود مؤقت له نهاية وهو خلود بعض العصاة كالقاتل لنفسه والزاني والمرابي ونحو ذلك كما سمعتم في قوله جل وعلا في قراءة هذه الليلة: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69]، فالخلود هنا يشمل المشرك والقاتل والزاني، فالمشرك خلوده دائم نسأل الله العافية، والقاتل والزاني خلودهما مؤقت إذا كانا لم يستحلا القتل والزنا فهو خلود له نهاية.