وأما ما يتعلق بالطاعة والعبادة والفرق بينهما فهذا موضوع قد وقع في كثير من الناس في بلدان كثيرة، وتنازع فيه في بعض الناس، وغلطوا فيه، وقد وقع شيء من هذا بين بعض أهل العلم في الهند وباكستان جهل بعضهم ما يتعلق بالطاعة وتفاصيلها، وقد سمعتم من الشيخين شيئًا مما يبين الأمر، وأن الطاعة أمرها أوسع، الطاعة تكون لله ولرسوله، ولولاة الأمور تكون للوالدين تكون للزوج تكون للأقارب تكون للمصلحين إلى غير ذلك.
الطاعة أمرها واسع، والعبادة حق الله وحده ، فالعبادة هي امتثال أوامر الله وترك نواهيه سبحانه عن إخلاص له وعن محبة له وعن تعظيم وعن رغبة ورهبة هكذا تكون العبادة، العبادة تنشأ عن حب الله جل وعلا، الحب الكامل وعن رغبة ثوابه والحذر من عقابه في طاعة أوامره وترك نواهيه، هذه يقال لها: العبادة يعبد الله معتقدًا أن هذا المعبود مستحق العبادة، وأن الله سبحانه هو المستحق لها، فيمتثل أوامر الله من صلاة وصوم وغير ذلك يرجو ثوابه ويخشى عقابه ويحبه من كل قلبه، وهكذا يترك محارمه عن محبه له وعن رغبة في ثوابه والحذر من عقابه ، ولهذا قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] يعني: إلا ليوحدوه سبحانه ويخصوه بالعبادة عن محبة وعن رغبة وعن رهبة عن حب له لأنه منعم محسن ، وعن رغبة بما عنده من الثواب، وعن رهبة مما عنده من العقاب.
أما الطاعة فهي أقسام، فمن أطاع الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه ويؤمن بأنه المستحق للعبادة فطاعته له عبادة إذا صلى وصام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وذكر الله وأطاع والديه، كل ذلك لأجل أن الله أمر بهذا، وهو يرجو بهذا فضل الله، ويعبد الله بهذا الأمر ويطيع ولي الأمر ويطيع الرسول ويطيع الوالدين ويطيع الناصحين لأن الله أمر بهذا، فهذا عبادة لله وحده طاعته لهؤلاء عبادة طاعته لولاة الأمور طاعته للرسول ﷺ طاعة لله وعبادة لله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
وطاعة ولاة الأمور بالمعروف طاعة لله وعبادة لله؛ لأنه فعلها يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويؤمن بأنه المستحق لأن يعبد ، وهكذا طاعته للوالدين بالمعروف، طاعته للمصلحين بالمعروف، طاعته للناصحين بالمعروف، كل هذا في الحقيقة عبادة لله لأن الله أمره بهذا، فأما إذا امتثل الأوامر لا لله بل رياء وسمعة ما صارت عبادة، لو أنه أطاع الله لكن لم يقصد به وجه الله ولا أراد التقرب إليه ولكنه أراد بهذه الطاعة الرياء صلى رياء أو ذكر الله رياء أو أمر بالمعروف رياء أو نهى عن المنكر رياء أو أطاع ولاة الأمور لا لأنه مأمور بطاعتهم بل أطاعهم لمقاصد أخرى ورغبة أخرى لمال أو لخوف منهم ما صارت عبادة لله .
وهكذا طاعته للوالدين إذا أطاع والديه لله يرجو ثوابه صارت عبادة لله، وإن أطاعهم لا لذلك بل لأنهم والداه صار أمرًا مطلوبًا بينًا، لكن لا يكون عبادة لله؛ لأنه أطاعهم بحكم الطبيعة، وبحكم المحبة لهم، والإحسان إليهم، ولأن الله أمره بهذا، فتكون في نفسها زائدة وطاعة في محلها، لكن ما تكون عبادة لله؛ لأنه ما قصد بها وجه الله، ولا أراده بها وجه الله .
وهكذا طاعته لزيد أو عمرو في بيع أو شراء أو بناء بيت أو إعطاء فلان إذا أطاعه لله بل أطاعه لأنه رأى في هذا المصلحة فهذه أمور جائزة بين الناس، وهكذا لو أطاع ولاة الأمور وهم كفار لأمر جائز لا لأنهم يحللون ويحرمون كما جاء في حديث عدي، بل أطاعهم لأنه يرى المصلحة في ذلك يرى المصلحة في طاعتهم وإن كانوا كفارًا كأن أمروه بأن يسلك الطريق الفلاني ....... المصلحة، السيارات تروح من هذه الطريق والسيارات ترجع من هذا الطريق تنظم الطرق وأمروهم فعلى الناس أن يلتزموا بهذه الأمور التي فيها مصالحهم، وليست هذه عبادة لهذا الأمير أو لولي الشرطة أو لفلان لا، هذه أمور مباحة فيها مصالح الأمة فيها مصالح الرعية، فإذا فعلوها لأن فيها المصلحة فليست عبادة للدولة، وليست عبادة لمدير الشرطة، وليست عبادة لقلم المرور، بل هي أمور مباحة فيها مصالح العباد، وهكذا لو ضربوا ضريبة وهم كفار دولة كافرة أو مسلمة جعلت ضريبة على الإنسان في بيته في دكانه في مزرعته ضريبة يؤديها كل سنة أو كل شهر وألزموه بها يؤديها ليس عبادة ولكن لأجل دفع شرهم أو لأنه رأى المصلحة في نقلها إليهم يعينهم على مشاريعهم الطيبة فليست عبادة لهم، فإن فعلها لله ليعينهم على الخير صارت عبادة لله، وإن دفعها لهم ليعينهم على المصلحة العامة لا لله بل للمصلحة العامة وليس يعبد الله بهذا الشيء ولكن للمصلحة العامة أو خوفًا من شرهم فليست هذه عبادة لهم، بل هذه أمور عادية ليس فيها تعلق بالعبادة وليست عبادة.
أما إذا أطاع فلانًا أو فلانًا أو الأمير الفلاني لأنه يعتقد فيه أنه يضر وينفع أو يعتقد فيه أن ما أمر فيه فهو حق وأنه مباح ولو خالف شرع الله صار عابدًا له، لو أطاع الأمير الفلاني أو العالم الفلاني يعتقد أن في حله وأنه ينفع ويضر وأنه مستحق للعبادة وأن ما أمر به يمتثل ولو خالف شرع الله وما نهى عنه ينتهى ولو خالف شرع الله هذا معناه أنه عبد هذا المخلوق عبده واتخذه إلها مع الله ، فتكون طاعته عبادة له .......
فالحاصل أن الطاعة فيها تفاصيل: إن كان فعلها لأنها مباحة لأنها أمر مباح أو لأن فيها المصلحة لا لأنه يعبد الشخص أو يحل ما أحل ويحرم ما حرم وإنما فعله للمصلحة ....... لا عبادة لله هذه طاعة جائزة، ولا حرج فيها، سواء كان الآمر مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان أميرًا أو مندوب أمير أو نحو ذلك فيما يتعلق بالمصالح العامة والأمور المباحة ونحو ذلك، فطاعة الشرطة والمرور في الطرقات وطاعة الدولة في الضرائب فيها مصالح أو يدفعها خوفًا من شرهم وليس يعبدهم بذلك ولا يعتقد أنهم يستحقون العبادة .......، فهذا ليس من العبادة في شيء، وما فعله طاعة لله ويقصد به وجه الله من الطاعات فأطاع ولي الأمر وأطاع الرسول ﷺ وأطاع والديه يرجو ثواب الله ويرغب في فضله سبحانه لأنه أمر بهذا فهكذا كله يكون عبادة لله ، وطاعة لله ، تكون طاعة يقصد بها وجه الله، ويتقرب بها إلى الله هي عبادة لله ، وليست عبادة للمخلوق، وكل طاعة يقدمها للمخلوق لأنه يعتقد فيه السر، وأن هذا المخلوق يتصرف، وأنه له شيء في الكون من التصرف، أو أنه إذا عبده نفعه، وإذا لم يعبده ضره كما يفعله بعض عباد القبور في بعض الناس، أو يتقرب إليه بذلك لأن فيه سرا فيتقرب إليه أعطاه ولده أو شفى مرضه هذا كله عبادة لغير الله، كله شرك بالله .
فلا بد من التفصيل فيما يتعلق بالطاعة والعبادة، وليست كل طاعة عبادة، وليست كل عبادة مفضولة، بل كل عبادة يقصد بها وجه الله وتوافق الشريعة فهذه عبادة مقبولة وطاعة لله ، أما إن فعل العبادة لا لله بل رياء وسمعة، فإنها لا تكون عبادة لله .......، فإن الرياء من الشرك، وقد يكون شركًا أكبر كعمل المنافقين الذين كذبوا الله ورسوله وأظهروا الإيمان نفاقًا ورياء، فهؤلاء في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله العافية.
وقد يكون شركًا أصغر، كأن يرائي في الأمر بالمعروف، أو يرائي في النهي عن المنكر، أو يرائي في أشباه ذلك، فهذا من الرياء الذي قال فيه النبي ﷺ: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء.
وقد تكون طاعة مثل ما تقدم في أمور مباحة أو في أمور مشروعة فعلها لأنها صالحة لأنها مشروعة لأن فيها خيرًا ولم يقصد بها التقرب إلى المخلوق لا لأمير ولا لميت ولا لجني ولا لغير ذلك إنما فعل هذه الطاعة لأن فيها مصلحة لأنها تنفع العبادة مثل طاعة قلم المرور مثل ....... الضرائب التي تطلب منه لأن فيها مصالح للبلد أو لأنه يخاف من شر الطالبين لو امتنع من الضريبة ولم يؤدها أن يؤذوه أو غير ذلك فهذا ليس من العبادة، بل هذه من الأمور العادية التي لا تسمى عبادة.
وهكذا طاعة ولاة الأمور تنقسم، فإن أطاعهم في معروف من أجل الله عز وجل فهي عبادة لله، وإن أطاعهم خوفًا من شرهم وليست عبادة لله فهذا لا يكون عابدًا لله، وليس له ثواب الطاعة، ولا يكون عابدًا لهم، بل أطاعهم لدفع شرهم، أما إن أطاعهم لأنهم يحل ما أحلوا ويحرم ما يحرموا ويعتقد أنهم يصلحون لهذا الأمر وأن ما أحلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام فهذا هو الشرك الأكبر، هذا الذي فعله اليهود والنصارى مع أحبارهم ورهبانهم ما أحلوه أحلوه وما حرموه حرموه، وإن كان خلاف التوراة والإنجيل، وإن كان خلاف الشرع، ولهذا سماهم الله اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]؛ لأنهم أحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا وإن خالف شرع الله ....... الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وصاروا بهذا كفارًا .......؛ لأنهم استحلوا ما حرم الله، وأطاعوا الرجال في خلاف شرع الله تعظيمًا لهم، واعتقادًا أنهم مصيبون.
أما لو أطاع الأمير أو أطاع السلطان في معصية وهو لا يقول: إنه يحل ما حلل ويحرم ما حرم، لا بل أطاعهم في معصية من أجل هواه، ومن أجل الدنيا، صار هذا نقص في الإيمان، وصار ضعفًا في الإيمان، ولم يكن شركًا ولا كفرًا إذا أطاع الأمير في معصية من المعاصي ...... كان طاعة من أجل حب المال أو من أجل أن يرقى عنده ......، وهو يعلم أن هذا الشخص لا يستحق القتل ولا يستحق الضرب فيكون عاصيًا في ذلك مساعدًا لأميره في المعصية، لكن إذا أطاعه في قتل فلان أو ضرب فلان لأنه يعتقد لأنه لا يأمر إلا بشيء مباح، أو بما هو طيب، ولا ينهى إلا عن شيء يستحق النهي عنه، وأنه محق في ذلك، وأن ما أمر به يتبع، وما نهى عنه يجتنب، ولو خالف شرع الله، يراه صالحًا لهذه الأمور يعتقد فيه أنه ما أمر به فهو طيب، وما نهى عنه فهو منهي عنه، فلا ينظر في شرع الله، ولا يبالي بشرع الله، بل يحل ما أحله هذا الأمير أو هذا الرجل أو هذا العالم، ويحرم ما حرمه مطلقًا من غير النظر إلى كتاب ولا سنة، هذا هو الكفر الأكبر، هذا عمل اليهود والنصارى، نسأل الله العافية.
إما إن أطاعه لمعصية لمصلحة لمال أو لأنه يكتسب معاش وهو يعلم أنه ما هو معصوم قد يخطئ في أوامره قد يخطئ في نواهيه قد يغلط ولكن حمله اتباع الهوى على طاعته في المعصية قد يكون معصية ويكون ضعفًا في الإيمان، ولا يكون كفرًا إلا إذا استحل ذلك، ورأى أنه ما أمر به يطاع فيه، وما نهى عنه يطاع فيه، ولو خالف شرع الله، فهذا قد اتخذه إلها مع الله.
هذه الأمور لها أهميتها ولها شأنها، ولهذا وجب التوسع فيها، والبيان فيها، حتى لا يغلط غالط في هذه الأمور، وحتى لا يكفر مسلمًا بغير حق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما كونه يسمى شركًا أصغر فهذا محل نظر، إذا أطاعه في المعصية قد يسمى شركًا أصغر عند بعض العلماء؛ لأنه تابع الهوى، وقد لا يسمى شركًا أصغر لكن يسمى معصية؛ لأن بعض أهل العلم إنما يقال الشرك الأصغر فيما ورد في النصوص تسميته شركًا، مثل الحلف بغير الله، مثل قول ما شاء الله وشاء فلان، مثل الرياء، هذا جاءت به النصوص بأنه يسمى شركًا، يعني شركًا أصغر، وأما جنس المعاصي كالغيبة والنميمة والزنا والسرقة فهذا تسمى معاصي، وتسمى كبائر، ولا تسمى شركًا، وقد يتجوز بعض العلماء ويسميها شركًا أصغر لأن صاحبها اتبع الهوى، ولكن المشهور عند العلماء والمعروف عندهم أنها تسمى كبائر، تسمى معاصي، ولا تسمى شركًا؛ لأنه إنما فعلها طاعة لهواه، لا عبادة لأحد، ولا رياء لأحد، ولكن فعل السرقة أو الزنا أو الغيبة أو النميمة طاعة لهواه وطاعة لشيطانه، ولهذا تسمى كبائر، وتسمى معاصي، وتسمى ذنوبًا، نسأل الله للجميع العافية والسلامة.