حال المصلين يوم القيامة

ويوم القيامة كما سمعتم في المحاضرة يوم القيامة حين يجمع الله الأولين والآخرين من هذه الأمة يأتي الرب إلى الناس في الموقف يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] يأتيهم جل وعلا في صورة لا يعرفونها، ويقول: أنا ربكم، يعني هذه الأمة وفيها منافقوها، يقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، إذا جاء ربنا عرفناه قال: بينكم وبينه علامة؟ قالوا: نعم، فيكشف لهم عن ساقه سبحانه وتعالى فإذا رأوها خروا سجدًا له إلا المنافقون ما يستطيعون ذلك؛ لأنهم كانوا في الدنيا يسجدون له نفاقًا ورياء ما كانوا عن إيمان، فيريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون يكون ظهر كل واحد طبقًا واحدًا، ما يستطيعون السجود، يحال بينهم وبين ذلك إظهارًا لشرهم وفسادهم، وأن صلاتهم في الدنيا كانت غير صالحة، قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42] لماذا لم يستطيعوا؟ لكفرهم وضلالهم في الدنيا ونفاقهم، نسأل الله العافية.

قال العلماء في الساق هنا قال بعضهم معناه: يعني عن شدة، يقال: قامت الحرب على ساقها أي شدة، والصحيح الذي عند أهل السنة والجماعة أن معنى الساق هي الصفة، ولهذا في الرواية الأخرى عن ساقه، كما أن له يدًا وله وجها وله أصابع فله ساق يليق به جل وعلا، لا يشبه خلقه، ووجهه لا يشبه الوجوه، ويده لا تشبه الأيدي، وهكذا قدمه، وهكذا أصابعه، وهكذا علمه، وهكذا رضاه، وهكذا غضبه، كل صفاته تليق به لا يشبه فيها خلقه، وهكذا ساقه.

فإذا كشف لهم عن ساق سجدوا، ظهرت العلامة، فيحال بين الكفرة وبين ذلك بين المنافقين، وأما بقية الكفار فكذلك عنه محجوبون كما قال تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ۝ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:15-17] كانوا مكذبين، نسأل الله العافية، فلا يراه يوم القيامة ولا في الجنة إلا المؤمنون الذين عبدوه وآمنوا به، ثم الذين يرونه في الموقف وفي الجنة كما يشاء ، وصفاته تليق به، ساقه ووجهه وعلمه وعينه وسمعه وبصره كل شيء يليق بالله لا يشابه خلقه في شيء ، قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  [الإخلاص:1-4]، وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] وقال : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] يعني: لا سمي له، ولا شبيه له ، فكما نقول: إنه موصوف بالسمع والبصر على وجه يليق بالله، وهكذا موصوف بسائر الصفات التي أخبر بها كما يليق بالله، فهكذا نقول فيما يتعلق بساقه على الوجه اللائق بالله ، جعله الله علامة للمؤمنين يوم القيامة، ونسأل الله للجميع التوفيق والهداية ...... وأمر الصلاة عظيم.

فهذه الوصية للحاضرين المستمعين ولغيرهم ممن يبلغه هذا الكلام، الوصية أن يتقوا الله، وأن يحافظوا على هذا الواجب العظيم، وهذا العمود العظيم، عمود الدين، الخيمة إذا سقط العمود هل تسقط أو تبقى؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، الواجب على المؤمن أن يحذر، وأن يتقي الله ، وأن يتواصى مع إخوانه وأهل بيته وجيرانه وأصدقائه وجلسائه بطاعة الله وأداء حقه، ولاسيما هذه الأمور العظيمة والفرائض العظيمة التي بها قوام الدين بها الاستقامة بها النجاة والسعادة قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر:1-3]، وقال : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].

والإنسان ما يدري متى يهجم عليه الأجل، قد يهجم عليه وهو لا يصلي، قد يهجم عليه وهو يشرب الخمر ويسكر مع السكارى، قد يهجم عليه وهو عاق لوالديه قاطع لأرحامه، قد يهجم عليه وهو مع المرابين، مع أكلة أموال اليتامى، مع غير ذلك من العصاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فليبادر وليحاسب نفسه وليقف على توبة، وليصبح على توبة، وليكن على توبة دائمًا دائمًا أبدًا، كم رأيتم من إنسان خرج من بيته ولم يرجع، كم من راكب للسيارة ولم يرجع انقلبت أو صدمت إلى غير ذلك، فالآجال بيد الله ، والإنسان لا يدري متى يهجم عليه الأجل، فليحرص على أن يهجم عليه الأجل وهو على توبة على استقامة على طاعة الله ورسوله لعله ينجو، والله يقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]، خاطب أهل الإيمان كل مؤمن عنده شيء من النقص إذا فكر وحاسب نفسه، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، فجعل الفلاح في التوبة، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] ما قال يا أيها الذين كفروا، قال هنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، وقال في الكفار: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التحريم:7]، يوم القيامة ما في عذر انتهى الأمر، من أراد العذر ليعتذر اليوم ليتوب إلى الله اليوم قبل أن يموت هذا محل العذر، أما يوم القيامة فمحل الجزاء والحساب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.