ثم من الواجبات العظيمة أدائها مع الجماعة وحضورها مع المصلين كما سمعتم في المحاضرة، الحضور مع إخوانك في مساجد الله في بيوت الله هذا لازم، وبهذا يكون مفارقًا للمنافقين، بعيدًا عن المنافقين، فالمنافق تارة يحضر وتارة لا يحضر، إن خاف أن يفطن له وأن يقال فيه شيء حضر، وإن أمن ألا يفطن له كالفجر والعشاء تخلف، فالمنافقون صلاتهم رياء ما عندهم إيمان، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142-143]، مذبذبون ما عندهم إيمان، عندهم حيرة، تارة مع الكفار، وتارة مع المؤمنين، نسأل الله العافية.
وقال عنهم في البقرة : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10]، المرض: الشك والريب -نعوذ بالله-، فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا شكًا وريبًا بسبب استمرارهم في الطغيان والإعراض والنفاق، فدل ذلك على أن المتخلف عن هذه الصلاة في الجماعة متشبه بهؤلاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وربما جره تساهله وجره تهاونه إلى أن يكون منهم في العقيدة، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر، الواجب على المؤمن أينما كان أن يعظم الصلاة، وأن يحافظ عليها، وأن يصليها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله ، ولهذا في الحديث: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر معنى هذا الحديث عند جمع من أهل العلم أن صلاته لا تصح إذا لم يحضر مع إخوانه، ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم أن الجماعة شرط، وأنه متى صلى وحده كما سمعتم في المحاضرة بطلت صلاته، وإن كان الأكثرون على أنها صحيحة ولكنه يأثم، لكن ذهب قوم من أهل العلم إلى أنها لا تصح بالكلية، فإن قول الرسول: لا صلاة له ظاهره نفيها بالكلية، نفى ذاتها، فالأمر خطير، ولأن التخلف عنها في الجماعات وفي المساجد يفضي إلى الترك بالكلية، والتساهل متى تخلف عنها مع عائلته ومع شهواته مرت عليه أوقات وتركها ومتى خرج الوقت وهو متعمد كفر بذلك، نسأل الله العافية، فالأمر كبير جدًا، وخطير جدًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول ابن مسعود : "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيه سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم" وفي لفظ: "لكفرتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" وفي اللفظ الآخر: "أو مريض" هذا الذي يتخلف: إما مريض معذور شرعًا، وإما منافق قد أصيب في قلبه، نسأل الله العافية. "وقد كان الرجل" يعني من المسلمين "يؤتى به يهادى بين الرجلين" يعني يعضدون له "حتى يصل الصف" من شدة رغبة أهل الإيمان في عهده ﷺ وعهد الصحابة. فالواجب على المؤمن أن يكون على غاية من العناية بالصلاة، والإقبال عليها، والمحافظة عليها.
ثم في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر برجل فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، قال: لا يشهدون ما قال لا يصلون، قال: لا يشهدون أي لا يشهدونها مع الناس في المساجد، قد يصلون في بيوتهم مع نسائهم مع أولادهم لكن النبي ﷺ ما اعتبر هذا، قال: لا يشهدون الصلاة يعني في مساجد الله، فأحرق عليهم بيوتهم، ولو كانوا معذورين كان قال لا يصلون، لو كان صلاتهم في بيوتهم كافية قال لا يصلون فإنه يستطيع أن يصلي مع زوجته ومع أولاده ومع خدامه هذا منكر فلا بد يخرج إلى المساجد مع عباد الله، ولهذا قال: لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، وروي عنه أنه قال: لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم. المقصود أن هذا يبين لنا عظم الأمر.
ثم الله يقول جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43] قوله: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ هذا أمر بإقامتها والحفاظ عليها، ثم قال: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أمر بعد أمر، يعني صلوا مع المصلين، ما يكفي أن تقيمها في البيت، قال: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ يعني صلوا مع المصلين.
وفي الخوف عند مقابلة الكفار عند مقابلة الجيش للجيش يقول جل وعلا: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، كان النبي ﷺ في الخوف يصفهم عليه الصلاة والسلام صفوفًا يصلون معه جماعة وعدوهم أمامهم أو عن يمينهم أو شمالهم، ما قال اتركوا الجماعة لأن العدو موجود، بل صلى بهم جماعة، وجعل الحرس يحرسون حتى يؤدوا هذه الجماعة، وتارة يكون الحرس نفس الجماعة كلهم يتقدم إذا كان في وجه القبلة يتقدم بهم ويصلي بهم عليه الصلاة والسلام جميعًا، ويركعون جميعًا، ثم يسجد الصف الأول ويبقى الصف الذي وراءه يحرس ينظر لئلا يهجم العدو، فإذا قام الصف الأول وارتفعوا سجد الصف الثاني، كل هذا من العناية بالجماعة والحراسة جميعًا، فإذا كان في حال الخوف في حال مقابلة العدو والصف مع العدو كانوا مأمورين بالجماعة فكيف بحال من هم في عافية ونعمة وعند المسجد وفي خير كثير وصحة وعافية؟
ثم يأتيه رجل أعمى يقول: يا رسول الله! ليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فيقول له النبي ﷺ: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب، وفي اللفظ الآخر: لا أجد لك رخصة أعمى ما عنده قائد يحافظ عليه فيقول له النبي ﷺ: أجب، يعني التمس طريقك وسر إلى المسجد، ويقول: لا أجد لك رخصة، فهذا أعمى شاسع الدار ليس له قائد يلائمه فيؤمر بالحضور ويصلي مع الناس فكيف بحال من عافاه الله وأعطاه الصحة والبصر؟