وسمعتم ما ذكره صاحب الفضيلة الدكتور سعود، ما الذي أغرق قوم نوح حتى عم الغرق جميع الأرض؟ وحتى عم ما فوق الجبال، ولم ينج إلا من في السفينة، أغرقهم كفرهم وضلالهم لما استمروا في الكفر، وعصوا نوحًا عليه الصلاة والسلام، واستكبروا وتواصوا بالكفر بالله، أنزل الله الماء من فوقهم، وأنبع الأرض من تحتهم، فالتقى الماءان وعلت المياه فوق الجبال، وهلك أهل الأرض إلا من كان مع نوح في السفينة من المؤمنين ومن الدواب كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:15].
وسمعتم ما فعل الله بقوم هود، وهم عاد، لما استكبروا وطغوا وعاندوا أرسل الله عليهم الريح العقيم، فأهلكتهم عن آخرهم، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، نسأل الله العافية.
وهكذا فعل الله بقوم صالح، وهم ثمود، أرسل الله عليهم الصاعقة والصيحة، فهلكوا عن آخرهم بأسباب كفرهم وعصيانهم لنبي الله صالح عليه الصلاة والسلام.
وهكذا قوم لوط لما استكبروا عن طاعة الله وكفروا واستمروا في كفرهم ومعاصيهم ولواطهم -والعياذ بالله- خسف الله بهم الأرض، وجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل -نعوذ بالله- بأسباب أعمالهم الخبيثة. وهكذا قوم شعيب لما ضلوا واستكبروا أمطر الله عليهم العذاب، وهلكوا بالصيحة، فهلكوا عن آخرهم.
وسمعتم ما فعل الله أيضا بفرعون وقومه لما استكبر عن متابعة موسى، وعاند وخرج في أثر موسى لقتاله والقضاء عليه، فأنجى الله موسى ومن معه أجمعين، ثم أهلك فرعون ومن معه في البحر، وصارت أجسادهم للغرق، وأرواحهم للنار والحرق، نسأل الله العافية.
هذه العواقب قصها الله علينا في كتابه العظيم، قصها في كتابه العظيم لتكون عبرة وعظة وذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لمن ينظر لمن يتأمل، فالعاقل يتعظ بهذه الذكرى، وبهذه القصص والعبر كما قال سبحانه: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111]، وقال: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2]، فالاعتبار هو شأن المؤمن، شأن العاقل ينظر ويتأمل ويعتبر ويخشى عواقب الذنوب، فيبادر بالتوبة والإصلاح، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بإملاء الله، قد يملي الله لفلان وفلان كما وقع الآن لكثير من الكفرة، قد يملى لهم سنوات، ثم يرسل الله عليهم عقوبات عظيمة، وحروبًا كثيرة تطحنهم طحنًا، نسأل الله العافية، قد ينزل الله عليهم كسوفًا في بلادهم وأمراضًا متنوعة لم يعرفوها هم ولا آباؤهم، ويعز فيها الدواء، ويعظم الهلاك بأسباب ما هم فيه من الكفر بالله والعناد، فربك جل وعلا حكيم عليم قد يعجل العقوبة وقد يؤجلها ، قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45].
لو أخذ الناس كلهم بذنوبهم ما بقي أحد، هلك الناس وانتهت هذه الدنيا، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45]، وفي آية أخرى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [النحل:61]، ويقول سبحانه: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، ويقول في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ هذه الآية وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود:102].
قد يملي للظالم والكافر مدة طويلة سنوات وعشرات السنين ثم يؤخذ على غرة كما جرى لفرعون، مضى عليه دهر طويل وهو يقول: أنا ربكم الأعلى، أمهله الله وأنظره، ثم أخذه، وكما جرى لقوم نوح، أمهلهم الله ومكث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا، ألف سنة ما هي عشر ولا عشرين ألف سنة في قوم نوح إلا خمسين عامًا، يأمرهم وينهاهم ويعظهم ويذكرهم فما أجدى فيهم ذلك، بل استمروا على طغيانهم حتى عاقبهم الله بالغرق العظيم الذي عم الأرض، نسأل الله العافية.
وهكذا قوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم إبراهيم وقوم شعيب أنذروا وأمهلوا، ثم أخذوا، نسأل الله العافية، وبعض الناس قد لا يعاقب في الدنيا، قد يملى له ويموت لم تأته العقوبة قد يبقى على كفره وضلاله لم تنزل به العقوبة لعبرة وآية وحكمة، قد يعاقب بها آخرون قد يملي الله به ويعاقب به آخرين من الناس وقد يمهله الله ليعاقب به جماعة آخرين، أو ليزداد عذابه ونكاله يوم القيامة، كما قال في الآية الأخرى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، فقد يملي الله لآخرين حتى يكون عقابهم كله مجموعًا لهم يوم القيامة، فتكون المصيبة أكبر والعقاب أشد، نسأل الله العافية.
وفي الحديث يقول ﷺ: إذا أراد الله بعبده الخير يعني من المسلمين عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة، فقد يبقى العبد في الدنيا على ذنوبه ويموت عليها فيكون أشد في العذاب، وقد تعجل له العقوبة بأمراض تصيبه أو عقوبات تنزل به في مال أو في ولد أو في غير ذلك فيخفف عنه بعض الذنوب، وتكون المصائب كفارة له في بعض الأشياء، فيلقى الله جل وعلا وقد خفف عنه بعض الذنوب، فيما نزل من مصائب الدنيا من أمراض وغيرها فربك عز وجل حكيم عليم له الحكمة البالغة، فلا ينبغي لك يا عبد الله أن تغتر بإمهاله وإنظاره، فهو سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة والأسرار العظيمة والغايات الحميدة في تعجيل العقوبة وفي تأخيرها، قد يعجلها وقد يؤخرها وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة سبحانه وتعالى، وإنما عليك أنت أن تبادر وأن تسارع إلى ترك الذنوب، وترك الكفر بالله، وإلى البدار بالتوبة لعلك تنجو، فالموت يأتي بغتة، يأتيك على غرة، فقد تصبح ولا تمسي، وقد تمسي ولا تصبح، وقد تخرج من بيتك ولا ترجع، وقد تسافر ولا ترجع، فعليك بالإعداد، عليك بالإعداد للآخرة وبادر بالتوبة الصادقة كما قال ربك : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8].
فالتوبة النصوح هي الدواء، وهي العلاج، وقال : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] يعني بالكفر والمعاصي لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، القنوط اليأس من رحمة الله، هذا هو القنوط، يعني أشد اليأس، الله ينهانا عن القنوط، ويأمرنا أن نرجوه سبحانه، ونتوب إليه، ونحسن به الظن عز وجل إذا تبنا إليه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] يغفر الذنوب، يعني: للتائبين.