بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد أبو بكر الصباغ، والشيخ محمد بن ......، والشيخ إبراهيم بن....... فيما يتعلق بالسنة المطهرة والعناية بها وتعظيمها وبيان ما قاله أهل العلم حولها ومنزلتها من الدين، وقد أجادوا وأفادوا وبينوا لإخوانهم ما ينبغي حول هذا الموضوع، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا.
ولا ريب أن الأمر كما قال أصحاب الفضيلة: السنة هي الأصل الثاني، وهي الوحي الثاني كما قال : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]، فهو ﷺ إنما يتكلم ويوضح للأمة ما أوحاه الله إليه وما أمره به، فإنه مأمور أن يبلغ، فقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فما من خير يقربها إلى الله ويباعدها من غضبه وعذابه إلا بينه لها، وما من شر يبعدها من الله ويقربها من النار إلا بينه لها، فقد بلغ وأنذر، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، كل نبي فكيف بما بين محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أكمل الأنبياء وأعلمهم بالله، وأعمهم رسالة، فإنه قد بلغ ونصح، وأكمل وأشهر عليه الصلاة والسلام ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، والله في كتابه العظيم أمر باتباع السنة وتعظيمها كما سمعتم في الندوة في آيات كثيرة جدًا.
فالقرآن الكريم ....... السنة وتعظيمها والأخذ بها والتمسك بها وأنها من دين الله عز وجل وأنه من أطاع الرسول فقد أطاع الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، أمر بالرد إليه وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام، الرد إليه يعني إلى كتابه العظيم وهو القرآن، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام، والرد إلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، فعلم بذلك أن الوحي الثاني هو السنة، لا بد من ذلك، وأنه يرد إليه ما تنازع فيه الناس حتى يعلموا الحق، وحتى يتضح لهم الحق، إما بالكتاب، وإما بالسنة، وإما بهما جميعًا.
قال : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80]، ويقول: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14]، ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]، ويقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63]، أي أمر النبي ﷺ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فهو ﷺ مبين عن الله، هو مبين عن الله وهو المرشد إلى ما قد يخفى من أحكام الله، والله سبحانه يقول: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فهو المبين للناس ما نزل إليهم من الكتاب، وهو المرشد لهم إلى ما قد يخفى عليهم مع ما جاء به من أحكام كثيرة ليست في الكتاب مبسوطة، ومع ما بينه مما أنزل في القرآن بينته في سنته عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية، فلولاها ما عرف المسلمون تفاصيل أحكام الصلاة، وأحكام الزكاة، وأحكام الحج، وأحكام الصيام، وأحكام المعاملات، إلى غيرها في السنة، والذي بينه عليه الصلاة والسلام بين أن الفجر ركعتان، والظهر أربع ركعات في الحضر، العصر أربع ركعات في الحضر، العشاء أربع ركعات في الحضر، وفي السفر ركعتان، المغرب ثلاث ركعات، الجمعة ركعتان، العيد ركعتان، من بين هذا إلا الرسول ﷺ، هذا لم يبين في القرآن، قال الله: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة:43]، وقال: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، ولكن ما قال الصلاة كذا والصلاة كذا، وكل هذا إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وبينه للأمة، وهكذا تفصيل الزكاة النصاب كذا، والواجب كذا، وفي هذا المال كذا، وفي هذا المال كذا، في الذهب كذا، وفي الفضة كذا، وفي الإبل كذا، وفي البقر كذا، في الغنم في عروض التجارة كذا، إلى غير ذلك كله من بيانه عليه الصلاة والسلام.