وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم سورة قصيرة عظيمة جمعت الخير كله جمعت أسباب النجاة وأسباب الربح، وهي قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر:1-3]، هذه الصورة العظيمة جمعت الخير كله، جمعت أصول السعادة أصول الفلاح أسباب الربح وأسباب الخسران، مع قسم الله على ذلك، مع الحلف من الله على هذا الأمر العظيم، وهو الصادق سبحانه وإن لم يقسم، لكنه أقسم على ذلك وهو الصادق، ربنا الصادق في كل شيء، ومن أصدق من الله قيلًا؟ ومن أصدق من الله حديثًا؟ لكنه أقسم قال: وَالْعَصْرِ [العصر:1]، وهو الزمان من الليل والنهار إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2]، وربنا يقسم بما يشاء من خلقه كما أقسم وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وَالطُّورِ [الطور:1]، وغير ذلك، كما يقسم بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وكلامه وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، فهو سبحانه يقسم بما يشاء لا أحد يتحجر عليه جل وعلا، وهذه المقسم بها فيها دلالات وبراهين على أنه رب العالمين، وعلى أنه الخلاق العليم، وعلى أنه المستحق لأن يعبد ويطاع أمره .
أما أنت يا عبد الله فليس لك أن تقسم إلا بربك، ليس لك أن تحلف بغير الله، العبد ليس له أن يقسم إلا بالله سبحانه وتعالى، ليس له أن يقسم بالنبي أو بالكعبة أو بالأمانة أو شرف فلان أو حياة فلان لا، لا يجوز هذا له، يقول النبي ﷺ: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت، وفي اللفظ الآخر: فليحلف بالله أو ليصمت، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، وفي لفظ: «فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح، ويقول ﷺ: من حلف بالأمانة فليس منا إلى غير هذا من الأحاديث الدالة على تحريم الحلف بغير الله كائنًا من كان.
روى الإمام أبو عمر بن عبدالبر ....... الإمام الجليل المعروف في المغرب من أعيان المئة الرابعة أو الخامسة يقول رحمه الله: أجمع العلماء على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، لهذه الأحاديث التي تقدمت، ومع هذا تجد بعض الناس يحلف بغير الله، وحياتك، والنبي، بالنبي، والأمانة، والكعبة، وهذا موجود في كثير من المقالات الصحافة في الإذاعات في التلفاز وفي غير ذلك، فلا ينبغي له أن يغتر بهذا، إياكم أن تغتروا بهذا، فهذا من المنكرات العظيمة، بل من المحرمات الكفرية.
ثم بين سبحانه أن الناس في ربح وسعادة إذا اتصفوا بهذه الصفات: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن فقدوها صاروا إلى الخسران، الناس بين أمرين: إما في خسارة، وإما في ربح، فمن استقام على الإيمان بالله ورسوله واتقى الله وعمل الصالحات وتواصى بالحق مع إخوانه وتواصى بالصبر مع إخوانه فهو الرابح حقًا وهو السعيد الناجي، ومن أهمل هذه الأمور صار مع الخاسرين نعوذ بالله، فهذا يبين لنا أن الواجب على المجتمع الإنس والجن على الثقلين جميعًا إنسهم وجنهم عليهم جميعًا أن يتقوا الله، وأن يلتزموا بهذه الأمور الأربعة، هذه أصول عظيمة: الأصل الأول الإيمان بالله ورسوله، أن تؤمن بأن الله ربك وإلهك الحق سبحانه وتعالى ومعبودك الحق، وأن تصدق أخباره سبحانه، وتؤمن بكلامه العظيم، وهو القرآن الكريم، وبكل ما جاء به سبحانه وتعالى، وأن تؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وبسائر المرسلين، وأن تصدق الله ورسوله بكل ما أخبر الله به ورسوله.
ثم عليك أن تتبع هذا الإيمان بالعمل الصالح وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3]، وهذا العمل هو أداء فرائض الله من صلاة وغيرها وترك محارم الله، هذا هو العمل الصالح، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] عملوا الصالحات: أدوا فرائض الله، وتركوا محارم الله.
ثم بعد هذا الثالثة: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3] دعاة إلى الله، تواصوا بالحق ما سكتوا، يتواصون بالحق أينما كانوا، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في بيوتهم، وفي طرقاتهم، وفي مساجدهم، وفي أسفارهم، وفي إقامتهم، في الجو، وفي البحر، وفي القطار، وفي الطائرة، في كل مكان، هكذا المؤمنون يتواصون بالحق، يدعون إلى الله، ينشرون العلم، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، لا يخافون في الله لومة لائم، أينما كانوا، بالأساليب الحسنة، والطرق المؤثرة، والرفق والحكمة، وانتهاز الفرص، وملاحظة الأوقات المناسبة، هكذا المؤمنون، هكذا الرابحون في أي مكان في المسجد في الطريق في البيت في مجتمع يضمه مع إخوانه في الطائرة في السيارة في القطار في أي مكان لا يغفل.
ثم أمر رابع وهو الصبر، التواصي بالصبر هذه الأمور تحتاج إلى صبر، فلا بد من التواصي بالصبر على إيمانك وعمل الصالح وعلى التواصي بالحق والدعوة إلى الخير أينما كنت، فهذه الأصول الأربعة هذه أصول السعادة، وأصول الربح، أصول صلاح المجتمعات في كل مكان.