اتباع العلم بالعمل

ثم بعد التعلم وفي أثناء التعلم يعمل بعلمه هذا من أهم الواجبات أيضًا يعمل، ليس المقصود أن يعلم، ولكن المقصود أن يعلم ويعمل، فالعلم وسيلة هو ليس هو الأساس المطلوب، بل المطلوب ما وراءه، العلم معلوم فضله وما فيه من الخير العظيم، ولكنه لا يكون علمًا في الحقيقة إلا إذا عمل به صاحبه، وإلا صار وبالا عليه وشرًا عليه، وصار مشابهًا لليهود وغيرهم من علماء السوء الذين يعلمون ولا يعملون، فيكون من حطب جهنم، نعوذ بالله.

فالمقصود من العلم العمل والدعوة إلى الخير والتوجيه إلى الخير، والصبر على ذلك، ودعوة الناس إلى الصبر على ذلك، ويكون طالب العلم أسوة لغيره في أعماله الطيبة وخلقه الكريم، فهو يتعلم ويعمل ويوجه ويرشد حتى يبلغ المراد، وينتهي إلى الفائدة التي يكون بها قائدًا، ويكون معلمًا، ويكون مرشدًا بعدما كان متعلمًا، وبعدما كان طالبًا، وعلى هذا الأساس إذا نشط الشباب في هذا الأمر وتكاتفوا وتبصروا وعلى هذا الأساس تنجح الأمة، ويرتفع مستواها و...... بها شبابها قدمًا إلى كل خير وإلى المستوى الرفيع اللائق بأمثالها الذين سعدوا بالعلم والعمل، ومن ذلك أيضًا يتعاون الشباب مع الآباء والأعمام والجيل الأول والرعيل الأول على كل خير، وعلى كل مصلحة ويستفيدون من تجاربهم ومعارفهم وأعمالهم، فينضم علم هؤلاء إلى علم هؤلاء، وتجارب الكبار إلى معارف الصغار والشباب، فينتج من ذلك التعاون الكامل على كل ما فيه صلاح الأمة إلى دينها ودنياها، وعلى كل ما فيه الدفاع عنها وحمايتها وحفظها وصيانتها من أسباب الانهيار، وتسليط الأعداء.

ولا يخفى أن هذا الأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة يحتاج إلى تعاون ومذاكرة مستمرة في المسجد في البيت في الطريق في السيارة في الطائرة في كل مكان، ولا يصلح في هذا الحياء، ولا التكبر، بل يكون الطالب حريصًا على العلم والعمل أينما كان حتى يلتحق بالرعيل الأول من العلماء وأخيارهم الذين نفعوا الأمة وقادوها إلى الخير، فهو مع الأساتذة سائلًا ومستفيًدا ومتبصرًا، ومع زملائه مذاكرًا ومستفيدًا حتى يزول الإشكال، وتنزاح الشبهة ويستقر العلم.

ومن أهم الأمور في هذا المجال، بل هو أهم الأمور الإخلاص لله في طلبه لا يكون همه أن ينجح، وأن يأخذ الشهادة، وإنما يكون همه أن يعمل ويصلح ويوفق لما فيه سعادته ونجاته وسعادة الأمة ونجاتها، فالإخلاص هو الأساس العظيم في كل إصلاح، ثم المتابعة للرسول ﷺ والصدق في ذلك، فيكون الطالب حريصًا على إخلاصٍ لله في عمله في طلبه وفي أعماله مع زملائه ومع آبائه وأعمامه وكبار جماعته وأمته، يكون مخلصًا لله، يريد ثوابه، يريد مغفرته ورحمته، يريد نجاح الأمة وسلامتها من كل سوء عن حسن نية وعن صدق في ذلك وعن إخلاص في ذلك.

ثم يتحرى ما هو الموافق للشريعة حتى لا يقع في البدعة والأوضاع الفاسدة، فهو مع المخلصين ومع المتبعين للسنة، هكذا يكون طالب العلم، هكذا يكون طريق الإصلاح والنهضة في الأمة إلى أسباب السعادة والخير، ومتى صدق الطالب وأخلص فاز بالنجاح والسعادة والعاقبة الحميدة، يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، ويقول : فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد:21]، ويقول الرسول ﷺ: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة.. الحديث، والله يقول سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].

فلا بد من اتباع الرسول ﷺ مع الصدق والإخلاص، لا بد من اتباع الرسول ﷺ فيما يقوله العبد، وفيما يعمله، وفيما يدعو إليه، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، أي فهو مردود.

فوصيتي لكم أيها الشباب ولجميع الشباب ونصيحتي للجميع النشاط في التعلم والتبصر والتفقه في الدين، والإخلاص لله وعن رغبة صادقة في العمل الصالح، وفي نصح الأمة ورفع مستواها والتعاون مع الآباء والأسلاف في كل صالح وفي كل خير، حتى يلتحق الشباب بالشيب وبالآباء والأعمام في التعاون والإصلاح ودفع عجلة تقدم الأمة إلى كل خير، وحتى يزال من الأمة كل ما يخالف أمر الله من معصية وبدعة، وحتى تسير الأمة على الصراط المستقيم، وعلى منهج قويم قد بني على الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يتم هذا إلا بالله.

ثم بالصدق في التعلم والتفقه في الدين والتعاون على البر والتقوى والمذاكرة والصبر وقلة الكسل، وليكن دائمًا في نشاط، ودائمًا في مصابرة، ودائمًا في مذاكرة، ودائمًا في عمل حسب الطاقة والقدرة، ولا يظن أنه مبلغ مهما كان أنه بلغ المطلوب لا، بل يجب أن يعتقد أنه أبدًا لا يزال في حاجة إلى التعلم، في حاجة إلى الفائدة، في حاجة إلى المذاكرة، في حاجة إلى سؤال أهل العلم حتى يلقى ربه ويشعر بهذا، وأنه بحاجة أبدًا إلى أن يتعلم ويستفيد، كما أن الواجب عليه أن يعلم أيضًا، ويفيد مما أعطاه الله، ومما وفقه الله إليه، ويعمل ويتعلم، ومع ذلك يبني أجيالًا .......، ويعين الأمة على كل خير.

وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يثبتنا وإياكم على الحق، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمرنا، ويصلح لهم البطانة، وينصر بهم الحق، ويعيذهم من بطانة السوء، وأن يكثر أعوانهم في الخير.