بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ
1201- عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ سَهْلٍ ومُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ، فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَبِّرْ، كَبِّرْ يُرِيدُ: السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ قَالُوا: لَيْسُوا مُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مئَةَ نَاقَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1202- وَعَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذان الحديثان يتعلَّقان بالقسامة، والقسامة هي أيمانٌ يتولَّاها المدَّعون على المدَّعَى عليهم في تعيين واحدٍ قتل قريبَهم، إذا كانت هناك عداوة وشحناء يتّهمون بها، ولم يوجد هناك بينة تشهد على عين القاتل، يُقال لها: قسامة، من القسم، وقد كانت في الجاهلية، وأقرَّها الإسلامُ كما في الحديث التالي، وحكم بها بين اليهود وبين الأنصار، فإذا وُجد قتيلٌ بين قومٍ بينهم وبين القتيل عداوة، أو بينهم وبين جماعة القتيل عداوة؛ فإنه يُنظر في الأمر إذا ادّعوا أنهم قتلوه: فإن كانت هناك بينة فلا كلام، شاهدان عدلان يكفي، فإن لم تكن هناك بينة فإن أولياء القتيل لهم الدَّعوى على المتهمين، ولهم اليمين أن يحلفوا، فإن لم يحلفوا تُبرئهم الجهة المتَّهمة، تُبرئهم بأيمان خمسين منهم أنهم ما قتلوه، ولا يعلمون قاتله، كما في قصة عبدالرحمن بن عبدالله بن سهل، فإنَّ عبدالله بن سهل ومُحيِّصة ذهبا إلى خيبر لطلب الرزق، بعدما فُتحت خيبر؛ للبيع والشراء، أو لغير هذا من أسباب الرزق، وتفرَّقا، فجيء إلى مُحيِّصة وقيل: إنَّ عبدالله قد قُتل وطُرح في بئرٍ، فجاء إلى اليهود فقال: أنتم والله قتلتُموه؛ لأنَّهم هم الأعداء، هم أعداء الإسلام والمسلمين، فقالوا: والله ما قتلناه، ولا نعلم له قاتلًا، فاشتكى الأنصارُ إلى النبي ﷺ في ذلك، فقال: يُقسم خمسون منكم، المؤلف اختصر القصَّة، قال لهم ﷺ: يُقسم خمسون منكم على رجلٍ منهم فيدفع برمته، قالوا: يا رسول الله، لم نشهد، ولم نحضر، ولم نعلم، كيف نقسم؟ قال: فتُبرئكم يهود بخمسين يمينًا أنهم ما قتلوه ولا يعرفون قاتله؟ قالوا: يا رسول الله، قوم كفَّار كيف نقبل أيمانهم، فوداه النبيُّ ﷺ من عنده وأنهى القضية عليه الصلاة والسلام بمئة ناقةٍ دية عبدالله بن سهل، قال سهل الراوي تحقيقًا بأنَّهم قد تسلَّموها: لقد ركضتني منها ناقة حمراء، يعني أنها شيء قد سُلِّمَ، وقد تمَّ.
فالقصة هذه تدل على أنه إذا وقعت مثلُ هذه القصة ووُجِد قتيلٌ بين قومٍ بينهم وبينه شحناء، أو بينهم وبين جماعةٍ وقبيلةٍ شحناء، واتَّهمهم أولياؤه، فإنهم يُطالبون بالبينة، إن كانت عندهم بينة على القاتل انتهى الأمر، وإن كان ما عندهم بينة يُقال للمُتَّهمين، فإن أقرُّوا أُخذوا بذلك، إن أقرُّوا أنه قتله فلانٌ انتهت الأمور، فإن جحدوا يُقال للمُدَّعين: عليكم البينة، فإن كان ما عندكم بينة يُقسم خمسون منهم -إن وُجد خمسون، أو الموجود منهم- خمسين يمينًا، صارت خمسين لكلِّ واحدٍ، يمين العصبة، فإن كانوا قليلين -عشرة- كل واحدٍ يُقسم خمسة أيمانٍ، فإن كانوا اثنين فكل واحدٍ خمسة وعشرون يمينًا على أنَّ القاتل فلان، فإذا أقسموا استحقُّوا الدمَ؛ جمعًا بين العلامات التي هي الشَّحناء وبين اليمين التي تُقوِّي ذلك.
فإن أبوا أن يُقْسِموا فلهم أيمان المدَّعى عليهم، يحلفون: أنَّا ما قتلنا، ولا نعلم قاتلًا، فإذا أقسموا برئوا، فإن أبوا لزمهم القصاص أو الدِّية التي يصطلحون عليها.
ومثل هذا لو شهد بالقاتل صبيانٌ، أو نساء، واطمأنَّ أهلُ القتيل أنَّ هذه الشهادة صحيحة؛ لهم أن يُقسموا، كما لو كانت عداوة وشحناء، لو جاء جماعةُ نساءٍ وقلن: الذي قتله فلان، أو صبيان حضروا وقالوا: قتله فلان، وأولياء القتيل اطمأنوا إلى هذا، وتيقَّنوا أنه القاتل بسبب هذا، فلهم، أو غلب على ظنِّهم أنهم كذلك، مثلما لو كانت الشَّحناء على الصحيح، وإذا اصطلحوا على شيءٍ دون القسامة: كنصف الدية، أو ربع الدية، أو أشياء معينة؛ فالصلح جائز، وإن وداه وليُّ الأمر، وأنهى القضيةَ وليُّ الأمر، ولم يُكلِّفهم بالأيمان انتهت القضيةُ، كما فعل النبيُّ ﷺ.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: لو المُدَّعى عليه أقسم بأيمان المُدَّعي ...؟
ج: يبدأ بأيمان المدّعين أولًا، فإذا نكلوا يرجع إلى المدَّعى عليهم، لحقوه.
س: ..........؟
ج: يُلزمون، يلزم القصاص.
س: وإذا ما ثبت؟
ج: لزمهم القصاص.
س: لا بدّ من اللّوث؟
ج: لا بدّ من اللوث، واللوث مثلما تقدَّم: شحناء أو عداوة، يُسمّونها: اللّوث، أو شهادة مَن لا تُقبل شهادته ممن يطمئن إليه المدَّعون: كالصبيان والنساء والفُسَّاق.
س: هل ورثتهم الذين يحلفون أيمان القسامة أو الأصل بالنَّفس؟
ج: العصبة ولو ما ورثوا.
س: ولو كانوا غير وارثين؟
ج: نعم، ولو، العصبة.
س: يقول: سماحة الشيخ، نرغب من سماحتكم مزيدًا من التوضيح على الأسئلة الآتية:
السؤال الأول: ما حكم إذا سبق المأمومُ الإمامَ، أو وافقه، أو تأخَّر عنه؟
ج: إذا سبقه عامدًا بطلت صلاته، وإذا كان ساهيًا أو ينعس يلحق الإمام، ولا شيء عليه، يلحقه والحمد لله، وأما الموافقة فمكروهة، لا يُوافقه، الرسول قال: إذا كبَّر فكبِّروا، ولا تُكبِّروا حتى يُكبِّر، وإذا ركع فاركعوا، يكون بعده مُتَّصلًا به، ولا يتأخَّر كثيرًا.
س: يسأل عن معنى العاقلة الواردة في الحديث السابق؟
ج: العاقلة هم العصبة -عصبة القتيل.
س: ما أفضل طريقٍ لحفظ القرآن الكريم والعلم الشَّرعي؟
ج: أفضل طريقٍ: العناية بالقرآن الكريم، وحفظ ما تيسَّر منه، حفظ متون العلم في العقيدة، والحديث، والفقه، وحضور مجالس العلم، وسؤال الله التوفيق والإعانة، لكن لا بدّ أن يُواظب على مجالس العلم، ويعتني، أو في مدارس انتظامية، مع العناية بالقرآن الكريم وحفظه، والسنة المطهرة وما تيسَّر منها، مع كتب العقيدة، لا بدّ أن تكون عنده عناية وصبر حتى يُدرك إن شاء الله ما يُريد من العلم.
س: الطريق المُثلى الانحناء على كتابٍ أو متنٍ، مع شروحه، أو التنقل بين الكتب، مثل: الآن درس بعض الإخوان يجتهد في تحضيره، والقراءة في شروحه، ويترك بعضًا؟
ج: الناس في هذا متفاوتون، الذي يستطيع، وإلا فمتنٌ واحدٌ يكفي، متن في الفقه، متن في الحديث، متن في العقيدة، إن كان المتنُ وافيًا، وإذا كان تنسيقٌ عنده السعة زاد من العلم حسب الطاقة، لكن أهم شيء القرآن، يبدأ بالقرآن، يعتني به.
س: هل يتعين أن يكون المُدَّعى عليه في القسامة واحدًا، أو يجوز أن يكون أكثر، ولو مُبْهَمًا؟
ج: المدَّعى عليه لا بدّ أن يكون واحدًا، يُقسم خمسون منكم على رجلٍ واحدٍ، لا بدّ أن يُعيِّنوا واحدًا.
س: كيف يكون توجيه النبي ﷺ في إقرار وجود القسم؟ وكيف تكون صفةُ قسم اليهود؟
ج: فقط: "والله العظيم ما قتلنا، ولا نعلم قاتلًا" كلُّ واحدٍ يقول هكذا.
س: ليسوا أصحابَ دينٍ؟
ج: ولو، ولو، ما في لهم إلا هذا، هم يدَّعون أنهم عندهم دين -دين التوراة- هم يرون أنهم على دينهم، ودينهم باطل، ويؤمنون بالآخرة والجنة والنار، اليهود والنصارى يُؤمنون بالجنة والنار.
كذلك فيه فائدة: أنَّ الخصوم إذا كان فيهم كبيرٌ يبدأ الكبير، ولهذا قال: كبِّرْ، كبِّرْ، تكلَّم حُويصة، ثم تكلَّم مُحيصة، هذا هو السنة.
س: ...........؟
ج: يُقدِّم اليمين.
س: ولو كان على اليسار أكبر؟
ج: ولو كان الذي على اليسار أكبر؛ لأنَّ الرسول قدَّم ابنَ عباسٍ، وهو عن يساره الشيوخ، وهو عن يمينه.
س: إذا كنت أنت المعطى، والنبي ﷺ أعطى الذي عن يمينه، لكن إذا كان غير كبيرٍ؟
ج: يبدأ برئيس القوم، ورئيس القوم يمشيه على مَن في يمينه، مثلما كان يعطى النبي ثم يمشي عن يمين النبي.
س: ..........؟
ج: عن يمين الرئيس.
س: الإيثار بالقرب هل هو مكروه؟
ج: ما هو مكروه، لا، بعض القرب مثل كونه يُؤثر مكانه، يختلف القرب، مثل: بشارة بفتح المسلمين، مثل: تقدم عن نبيها، أو شيخ كبير في المجلس، أو ما أشبه ذلك، الصديق رضي الله عنه لما جاءت ثقيفُ مسلمةً جاء المغيرة يُبَشِّر بإسلامهم، قال الصديقُ: أرجوك أن تهبني هذه البُشرى حتى أُبشر بها النبي عليه الصلاة والسلام.
س: يذكرون قاعدة: الإيثار بالقُرب مكروه؟
ج: لا، فيها تفصيل.
س: هل ثبت عن الرسول ﷺ أنه جمع بين الاستنشاق والمضمضة وغسل الوجه جميعًا؟
ج: لا، المضمضة ..... المضمضة والاستنشاق.
س: ولو جمع الإنسانُ فيهم؟
ج: لا، ما يتمكَّن الإنسانُ من هذا، إذا تمضمض واستنشق راح الماءُ في المضمضة والاستنشاق.
س: لو فعل هذا؟
ج: ما هو مُتيسِّر ...
س: ما المُفدي بأبي وأمي؟
ج: "أفديك بأبي وأمي" ما هو بقسمٍ، فداء، فداء.
س: إذا كانت المرأةُ لا يُصلي زوجها؟
ج: تذهب إلى أهلها.
س: هل تُؤمر بالصبر عليه والنَّصيحة؟
ج: تذهب إلى أهلها.
س: لكن في الوقت هذا ..؟
ج: تذهب إلى أهلها وتتركه؛ لأنَّ تارك الصلاة كافر.
س: البينة على المُدَّعي، واليمين على مَن أنكر، هذه القاعدة تنطبق على قضية ..؟
ج: هذه ..... وما يقوم مقام البينة إلا أيمان القسامة؛ لأنَّ عندهم بينة تُرجح الأيمان، يبدؤون، مثل: ما عنده إلا شاهدٌ واحدٌ، ترجَّحت جهته، عليه اليمين مع الشاهد، وأهل القسامة ترجحت ..... بالعداوة والشَّحناء، فيبدؤون بأيمانهم على أيمان المدَّعى عليه.
س: لو أقسم المُدَّعى عليهم بالأيمان يبرؤون أم دية؟
ج: لا، يبرؤون مرة.
س: مطلقًا؟
ج: يبرؤون، نعم.
س: يُودَى من بيت المال؟
ج: إن أراد وليُّ الأمر، وإلا ما هو بلازمٍ، النبي ﷺ أصلح من باب الصُّلْح.
س: هل الشرعُ يُلزم القاتلَ شبه العمد وعصبةَ القاتل شبه العمد بالدِّية إذا كان ما عنده؟
ج: على العاقلة، النبي ﷺ فرضها على العاقلة، العصبة إذا كانت عندهم قُدرة، وإن كانت ما عندهم قُدرة فمن بيت المال، لا يطل دمه، يكون من بيت المال.
س: هل يجب على ولي الأمر أن يُخرج دية القتيل؟
ج: فيها خلافٌ، والأقرب أنها عليه؛ لأنَّ فيها حلًّا للمشاكل، إذا ما تيسَّر الصلح فإنَّ إخراجَها من بيت المال فيه حلٌّ للمشاكل، من باب حلِّ المشاكل، مثلما فعل ﷺ.
س: يقول السائل: ذكر بعضُ أهل العلم أنَّ المرأة إذا طهرت عصرًا لا يلزمها إلا صلاةُ العصر فقط؛ لأنَّ الظهر خرج وقتها، وإذا طهرت قبل الفجر لا يلزمها شيء إلا الفجر، فما القول الراجح فيه؟
ج: الصواب أنها تُصلي الظهر والعصر؛ لأنَّ الظهر والعصر وقتهما واحدٌ عند العُذر: كالمرض، والسفر، والعشاء والمغرب وقتهما واحدٌ عند المرض، والحائض معذورة، ما طهرت إلا العصر، تُصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في الليل تُصلي المغرب والعشاء، هكذا أفتى جماعةٌ من الصحابة ، وهم أعلم الناس بهذا رضي الله عنهم.
س: وإذا طهرت بعد منتصف الليل؟
ج: كذلك؛ لأنه وقت ضرورةٍ، مثل التي طهرت في العصر.