أجمع المسلمون قاطبة على تحريمها، ومع ذلك تعلمون وتجدون الآن من يتعاطها ولا يبالي، يشتريها بالمال ويضر نفسه ويضر مجتمعه ويضر دينه ودنياه، هذا فساد العقول وفساد الأديان، نعوذ بالله، يقول الله عز وجل أولا قال لهم سبحانه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219]، يعني قل لهم يا محمد: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فتركها قوم وبقي فيها آخرون، وقالوا ما دام فيها منافع للناس نأخذها يعني التجارة والبيع والشراء، ولكن وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، وضررهما أعظم.
ثم قال لهم سبحانه ابتلاء وامحتانًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فتركوها عند الصلاة وشربوها في أماكن أخرى قال: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فدل على أن الخمر تغيره حتى لا يعلم ما يقول، تجعله فاسد العقل، لا يعلم ما يقول، ثم بين الله فيها بيانًا عظيمًا بيانًا واضحًا، ما بقي لأحد شبهة فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة:90-92]، هذا بيان عظيم من ربنا بين فيه تحريم الخمر والميسر وهو القمار، فالميسر مفسد للأموال، ومسبب للفتن والشرور، والخمر أعظم من ذلك يفسد العقول والأبدان والأديان والأموال، وكانت العرب تتعاطى هذا، وهذا كانت الجاهلية تتعاطى الخمر والميسر كلاهما، ومن حكمة الله أنه لم ينه عن ذلك أولًا بل أمرهم بالتوحيد، ونهاهم عن الشرك، أول شيء أمرهم بتوحيده والإخلاص له وترك عبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار، ونهاهم عن الزنا، وأسباب الفواحش، والعقوق للوالدين، والقطيعة للأرحام، ونقص المكاييل والموازين، وعن الظلم إلى غير ذلك، جعل شرائعه تدريجية سبحانه وتعالى شيئًا بعد شيء، حتى لا تنفر منها عقول الناس بسبب عوائدهم الضالة، رتب الشرائع ونظمها وجعلها شيئًا بعد شيء، فلما هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام كمل الله له الشريعة عليه الصلاة والسلام، وشرع له الأحكام ما لم يشرعه في مكة المكرمة، وكان من ذلك الخمر تأخر تحريمها إلى زمان طويل، ومضى سنون في المدينة ولم تحرم الخمر، ثم حرمها الله على عباده لشرها وعظم خطرها.