وسمعتم ماذا فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو واحد ليس على الأرض غيره، حتى أسلمت ابنة عمه سارة وتزوجها، ولهذا لما طلبها الملك وسألوه عنها قال: إنها أختي، وقال لها عليه الصلاة والسلام: إنك أختي في الإسلام ليس على الإسلام غيري وغيرك، فأخبر أنه ذاك الوقت ليس على الإسلام أحد سواه وسوى زوجته، والناس كلهم على الكفر والضلال، ومع ذلك لم يتوقف عن الجهاد والدعوة إلى الله حتى غدا على الأصنام وكسرها وحطمها وجعلها جذاذًا، وقال .......: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء:59-63]، وأراد أن يلفت أنظارهم إلى هذه الأصنام أنها لا قيمة لها جماد لا تنطق ولا تعي، أين عقولكم حتى تعبدوها؟ {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء:64]، يعني: أنتم الظالمون في عبادتها والتعلق بها وجعلها آلهة، وهي لا قيمة لها، جماد لا قيمة له فكيف يعبد؟ وكيف يعظم؟
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء:65] انتكسوا وارتكسوا ورجعوا إلى تأييد ما هم عليه من الباطل بعدما أقروا أنهم ظالمون، فهذا يدل على أن القوة والنشاط والهمة العالية تجعل الرجل يقوم بأعمال عظيمة لا يقوم بها الرجال ...... ذوي الهمة الضعيفة، فهذا واحد وهو إبراهيم وأن هذا الأمر العظيم في دولة كبيرة عظيمة، ثم انتهى الأمر إلى أن توعدوه بالإحراق والتعذيب وأججوا له نارًا عظيمة كما ذكر الله في كتابه العظيم، ثم ألقوه فيها فقال الله لها: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70]، فأنجاه الله من شرهم وكيدهم على ضعفه وقلة الأعوان وقلة الأنصار.
وهكذا فتية أهل الكهف صبروا مع كون العالم على خلاف ما هم عليه صبروا على ما هم عليه من الحق والهدى، المقصود أن الشباب وأهل القوة إذا رزقوا الهمة العالية والإخلاص والصدق لا يقوم لهم أحد في تأييد الحق، وفي العناية به، وفي نصره وفي الدعوة إليه، وفي التعاون على ذلك، ولهذا سمعتم الحديث يقول ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، القوي وإن كان ابن عشرين سنة إن كان ابن خمس وعشرين سنة وإن كان أقل من ذلك، إذا قوي إيمانه وقويت غيرته وساعده على هذا قوة البدن اجتمع خير إلى خير، وذلك خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، الضعيف في غيرته الضعيف في دعوته الضعيف في بدنه إذا أعجزه ضعف البدن عن تنفيذ الأمور العظيمة، وإن كان هذا لا يضره من جهة الدين لأنه ليس باختياره، ولكن ذاك الرجل القوي المنفذ للأمور القوي بإيمانه القوي ببدنه أحب إلى الله؛ لأن آثاره تدوم أكثر، ونفعه أكثر صلاحًا وأكثر فائدة، لكن إذا كان عاجزًا دونه في كل شيء، والذي من بيته إلى مسجده ليس عنده همة عالية في إصلاح أمور المسلمين ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحو ذلك، فالأحوال تختلف بحسب قوة الإيمان وقوة الغيرة الإسلامية وقوة النشاط البدني أيضًا، الذي يساعد على هذا الخير، وعلى هذا الإصلاح الذي ينبع من القلب بسبب ما فيه من العلم والإيمان.
وسمعتم ما جاء به الشرع فيما يتعلق ....... على الصلاة وهو صغير ابن سبع وابن عشر حتى يقوى إيمانه، وحتى ينشأ نشأة صالحة في الدين، فإذا هو قد استعد لكل خير، وقد عرف بالصلاة والمحافظة عليها والمسارعة إليها، وقال فيه النبي ﷺ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل» ثم بعده «وشاب نشأ في عبادة الله فجعله هو الذي يلي الإمام العادل، وهو الثاني لما له من الخير العظيم، والفوز الكبير، والآثار العظيمة إذا نشأ في عبادة الله يؤثر على أهله وعلى جيرانه وعلى أقاربه وعلى قبيلته، فكم من قبيلة هداها الله بسبب واحد قوى الله إيمانه وقوى بصيرته فدخلت قريته في الإسلام، وصاروا من خير الناس بسبب واحد من شبابهم هداه الله للإسلام وقوى إيمانه، وقد تدخل القرية برمتها قبيلته وغير قبيلته وقد تدخل قرى كثيرة بأسبابه بسبب قوة إيمانه، وقد يكون شابًا، وقد يكون كهلًا وقد يكون شيخًا لكن هذا في الغالب يكون من الشباب أكثر لقوة الإيمان وقوة النشاط وعظم الغيرة، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أنشط الناس في كل خير، وهم أقومهم لكل حق، وقد بعث نبينا ﷺ في غاية الشباب والقوة على رأس الأربعين عليه الصلاة والسلام، فهدى الله به الأمة، ونصر به الحق، وصبر على الأذى حتى أظهر الله دينه وأعلى كلمته، ثم قبضه إليه بعدما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة عليه الصلاة والسلام.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب هو والمصلحون من أمثاله في سائر الزمان والأقطار لهم شأن كبير في شبابهم وقوة إيمانهم في القرن الأول والثاني والثالث والرابع كله في القرن الثاني عشر في عهد الشيخ محمد رحمه الله قام بنشاط عظيم في شبابه وعنفوان قوته، فهدى الله به من الأمم والناس في الجزيرة وغيرها من لم يحصيها إلا الله بسبب دعوته العظيمة وصبره وقوة إيمانه ونشاطه للحق، ومن ساعده ونصره في ذلك.