هذه الدنيا دار المشاكل، دار الأكدار، دار الامتحان والبلاء، دار التكليف، دار الشهوات، دار الأكدار والمكذبين من الأعداء، فلا بد من صبر على ما أنت مأمور به، ولا بد من صبر على ما حرم الله عليك، ولا بد من صبر على المصائب التي تكرهها، فإذا قابلت النعم بالصبر على شكرها وأداء الحق الذي فرض الله عليك وإذا قابلت المعاصي بالصبر عنها والكف عنها وإذا قابلت المصائب بالصبر عليها وعدم الجزع والسخط تم لك الفلاح، ولهذا أثنى الله على عباده الذين صبروا واحتسبوا وأخبر أن لهم العاقبة وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[طه:132] فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] جاهدوا أنفسهم، جاهوا الشيطان، جاهدوا العصاة، جاهدوا الكفار، جاهدوا الهوى، أطلق سبحانه ما أتى بمفعول، قال: جَاهَدُوا فِينَا أطلق حتى يعم، جاهدوا كل ما يهمهم، وكل ما يخشون شره، جاهدوا فجاهدوا النفس حتى استقاموا، وجاهدوا الشيطان حتى سلمهم الله من شره، وجاهدوا أعداء الله حتى غلبوهم، وجاهدوا الهوى حتى غلبوه، وجاهدوا العصاة حتى سلموا من شرهم، وحتى يؤدوا حق الله فيهم، إلى غير ذلك، فلنأخذ عظة من حال من لم يصبر وطاوع الهوى واستعمل هذه الجوارح في معاصي الرب عز وجل كيف كانت حالهم، وكيف كان مصيرهم، صار مصيرهم النار وبئس المصير، وصاروا أعداء الله وسبة بين عباد الله بسبب عصيانهم، ومولاهم وطاعتهم الشيطان، ولنعتبر بأولياء الله وأهل طاعته من الرسل وأتباعهم ممن مضى كيف كانت سمعتهم على صبرهم وجهادهم وتقواهم، وماذا ذكر الله عنهم وأثنى عليهم بهم؟ وماذا كان مصيرهم؟ الجنة والكرامة.
فأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه.