أيها الإخوة في الله: إن رجب كما قال الشيخان فيها بدع، وهكذا جميع السنة، وفي كثير من الدول نشاط كبير في البدع، بأسباب أهل التصوف وضعفاء العلم وضعفاء البصيرة، زين لهم الشيطان البدع حتى حبذوها، وزينوها للناس، ووقع فيها الكثير من الناس عن جهل وقلة بصيرة، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخان من بدعة صلاة الرغائب في رجب، صلاة الرغائب صلاة يصلونها في أول جمعة من رجب، أول ليلة جمعة من رجب يصلون صلاة الرغائب على طريقة خاصة ابتدعها لهم بعض الناس على رأس المائة الرابعة من الهجرة، يعني من نحو ألف سنة، هذه البدعة أي بعد النبي ﷺ بأربعمائة سنة، ابتدعوها وهي من البدع، كذلك البدعتين في آخر الشهر: وهي الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج يسمونها ليلة الإسراء والمعراج، ويزعمون أنها ليلة السابع والعشرين من رجب، ويكون احتفال في بعض البلدان والخطب والاجتماع، وهذا لا أصل له؛ لأن الليلة لم تحفظ، الليلة لا شك أنها واقعة، وقد أسري بالنبي ﷺ إلى البيت المقدس إلى فلسطين مسجد إيلياء، وهو المسجد الأقصى، لكن لم تحفظ الليلة، قال الله جل وعلا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، هذا حق فقد أسري به في الليل، واجتمع بالأنبياء هناك، وصلى بهم، ثم عرج به إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وفرض الله عليه الصلوات الخمس في السماء بعدما جاوز السبع الطباق فوق السماء السابعة، كلمه ربه وأوحى إليه خمسين صلاة، ثم لم يزل يطلب ربه التخفيف حتى جعلها سبحانه خمسًا، فهي خمس وهي خمسون، خمس في العمل وخمسون في الأجر، فضلا من الله ، لكن هذه الليلة أنسيها الناس ولم تحفظ، ولم يحتفل بها النبي ﷺ، ولا أصحابه، ولو كان الله شرع لهم العناية بها لما أنسوها، ولما ضيعوها، وهم أحرص الناس على كل خير، ونبينا ﷺ أحرص الناس على كل خير، وهو المبلغ عن الله شرعه، وهكذا أصحابه هم أفضل الناس بعد الأنبياء، هم أعظم الناس حرصًا على السنة والعبادة، ليس هناك من هو أفضل منهم، ولا أحرص منهم بعد الأنبياء رضي الله عنهم وأرضاهم، ونحن لا ندانيهم ولا نقرب منهم في الفضل والعلم والحرص على الخير، وهكذا غيرنا ممن بعدهم، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة في سبع وعشرين من رجب أو في غير ذلك لما أهملوه ولما ضيعوه، وجاء من بعدهم الذي هو أقل منهم علمًا وأقل منهم حرصًا على الخير وأقل منهم محبة للشر فيهدى لها بعد ذلك، فلو كان الاحتفال بها مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، فهم خير منا، وأحرص منا على كل خير، فعلم بذلك أن هذا من البدع التي أحدثها الناس.
أما العمرة في رجب فالصواب أنه لا حرج فيها؛ لأنه فعلها عمر رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين، وكان السلف كثير من السلف يعتنون بها، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ اعتمر في رجب عليه الصلاة والسلام، لكن الصحيح أنه قد وهم في هذا ، فقد عني أصحاب السير والتاريخ بهذا الأمر، وبينوا أن عمره محفوظة، وأنها في ذي القعدة، وهي أربع كلها في ذي القعدة، كما قالت عائشة وأنس وغيرهما، ولكن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر أنه اعتمر في رجب فقد يكون وهم وهو الأرجح، وقد يكون ذلك خفي على غيره.
فالمقصود أن العمرة في رجب لا حرج فيها؛ لأنه جاء في هذا الحديث، وجاء من فعل عمر وكثير من السلف الصالح، فلا حرج في ذلك، ولكن البدع الأخرى لا أساس لها، ولا ....... لها، فلا تصلى صلاة الرغائب، ولا العتيرة وهي الذبيحة في رجب، ولا الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، كل هذا لا أصل له، كل هذا من البدع، وهكذا الاحتفال بليلة النصف من شعبان، كما يأتي بعض الناس في بعض البلدان يحتفل بليلة النصف من شعبان، ويخص يومها بالصيام، وهذا لا أصل له، وهكذا الاحتفال بالموالد: مولد النبي ﷺ، ومولد غيره من الناس، كمولد الحسين، أو مولد علي، أو مولد فاطمة رضي الله عنها، وعن أصحاب النبي ﷺ جميعًا، أو مولد البدوي، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو غيرهم هذا الاحتفال بهذه بالموالد لا أصل له، بل هي من البدع والمحدثات.
وقد كتبت في هذا رسائل ثلاث في المولد وبدعة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان، وأيضا كتبت رسالة فيما يتعلق بالوصية المكذوبة التي يزعمون أن خادم حجرة النبي ﷺ كتبها وأوصاه النبي ﷺ بكذا، وأنه من كتبها فله كذا، ومن لم يكتبها فله كذا، كتبنا في هذه المسائل الأربع وطبعت، والغلاف الجامع لها التحذير من البدع، وهي توزع من دار الإفتاء؛ لتبصير الناس بهذه الشرور، والتحذير منها، ومن أرداها وجدها في دار الإفتاء في المستودع توزع.