عمل المرأة بين المشروع والممنوع

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الدكتور محمد بن أحمد ......، والشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر، والشيخ عبدالله بن صالح ....... في موضوع هام جدير بالعناية دائمًا، وهو موضوع عمل المرأة، وقد أجاد أصحاب الفضيلة فيما بينوا وأوضحوا، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ورزقنا جميعًا العمل بما علمنا وبما سمعنا على الوجه الذي يرضيه.

لا ريب أن عمل المرأة موضوع مهم كما قال المشايخ، وجدير بأن يعتنى به دائمًا؛ لأن موضوع المرأة خطير بالنسبة إلى الرجال ولاسيما في هذا العصر الذي ضعف فيه الإيمان في الأغلب، وكثر فيه اتباع الهوى، وعظمت فيه الفتنة بالنساء وتبرجهن، وقلة حياء الكثير منهن، وتعرضهن لكل ما يثير الفتن إلا من رحم الله، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وهذا أمر واقع؛ لأن الله جعل في قلوب الرجال الميل إلى النساء، وجعل في قلوب النساء الميل إلى الرجال، وجعل هذا أسباب الزواج والتوالد وانتشار الأمة، والرجل إن لم يحصن بالإيمان والتقوى لله والبعد عن أسباب الفتنة والمرأة كذلك إذا لم تحصن بالإيمان والتقوى لله والبعد عن أسباب الفتنة فإن الشيطان يغلب عليهما ويسوقهما إلى أسباب الهلاك، ولهذا وجب أن يعتنى بإبعاد هذا عن هذا ...... حتى لا تقع الكارثة والفتنة.

وسمعتم في الندوة من الفوائد والتوجيهات ما أرجو أن ينفع الله به الجميع، وينفع الله به من بلغه ذلك أيضًا بواسطة النقل، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس يقول: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، يعني من الفوائد التي تحصل في الحلقات العلمية والندوات العلمية والمجالس العلمية أن المؤمن ينقل ما يسمع من الفائدة ينقل إلى أهله وإلى جيرانه وإلى جلسائه، وينقل الفوائد التي حفظها حتى ينتشر العلم، وهذا واجب يجب على المؤمنين أن ينقلوا العلم لكن بشرط أن يحفظ، وألا ينقل إلا على بصيرة حتى لا يكذب على الناس، وحتى لا يقول على أحد ما لم يقل، فالمؤمن وطالب العلم يتثبت فينقل ما علم وما حفظ من العلم، فيقول: سمعتم في الندوة الفلانية كذا من المشايخ فلان وفلان كذا في الحلقة الفلانية، فينقل من العلوم التي تنفع الناس بالصلاة بالزكاة بالصيام بالحج بالجهاد، في موضوع المرأة، في موضوع الخلوة، في موضوع النكاح، في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في موضوع الدعوة إلى الله إلى غير ذلك من المواضيع التي تهم الناس، كثير من الناس لا يرفع رأسًا بالعلم لا في نفسه ولا في حق من وراءه، وكأنه ما حضر علمًا ولا استفاد علمًا، فلا يعمل ولا يتحدث ولا يتأثر بما يسمع، وهذه مصيبة من المصائب العظيمة، يوم خطب النبي ﷺ الناس في حجة الوداع خطبهم ﷺ خطبة عظيمة يوم عرفة بعدما زالت الشمس يوم عرفة في حجة الوداع، في اليوم التاسع من ذي الحجة ركب الراحلة على بعيره عليه الصلاة والسلام ووقف في وادي عرنة بعدما زالت الشمس وهو على الناقة، وجعل يخطب الناس ويذكرهم ويحذرهم من الربا، ومن أعمال الجاهلية، ومن سفك الدماء بغير حق، ويحذرهم أن يرجعوا بعده كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض، ويوصيهم بالقرآن العظيم، والتمسك بالقرآن والسنة والعمل بهما، ويوصيهم بالنساء، ويقول: استوصوا بالنساء خيرًا، ويقول: لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ويقول: إنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فيوصيهم بالنساء خيرًا، ويعلمهم بعض مناسكهم، ثم يقول بعد ذلك بعد الوصايا وبعدما أوصاهم بالقرآن والسنة وحث على التمسك بهما وقال: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله، وفي لفظ: وسنتي، هذا يبين لنا أن الناس ليس يضلوا إلا اعتصموا بكتاب الله القرآن وبالسنة المطهرة، وإنما يأتي الضلال عن الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعند عدم التمسك بهما والعمل بهما يضل الناس حينئذ، أما إذا اعتصم الناس بالقرآن وحكموه وعملوا به وبسنة الرسول ﷺ وحكموها وعملوا بها فإنهم يوفقون ويهتدون بعدما أوصاهم بهذه الوصايا، قال: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، أوصاهم بأن يبلغوا ما سمعوا، ثم قال: وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ أنتم تسألون عني يوم القيامة فما أنتم قائلون يوم القيامة، إذا سألكم الرب عز وجل؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت؛ لأنه مجمع عظيم في عرفة، نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس وينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني: اللهم اشهد على هؤلاء أني بلغتهم واعترفوا، فعليهم إذا لم يعوا أن يبلغوا حتى تنتشر الفائدة حتى يعم العلم.

قد سمعتم هنا في هذه الندوة فوائد كثيرة، سمعتم خطر النساء وأنهن كن في الجاهلية من سقط المتاع محتقرات مظلومات، بعضهن يوأد ويقتل حيًا، وبعضن يقتل خشية الفقر، وربما قتل أولاده أيضًا خشية الفقر، فنهاهم الله عن ذلك وقال: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ [الأنعام:151]، وتورث كما يورث المتاع، ويتصرف بها أولاد الميت، وتحرم الميراث إلى غير هذا مما كانت الجاهلية عليه، حتى أكرم الله النساء بالشريعة المحمدية، ورفع قدرهن، وجعلهن شركاء الرجال في كل شيء، إلا أشياء قليلة جعل لهن أحكامًا أخرى، وإلا فغالب الأمور هن شركاء الرجال، سوى أحكام معدودة، فكونها في الدية لها نصف الدية، وكون شهادتها نصف شهادة الرجل وأشياء معدودة لها أحكامها ولها حكمتها، المقصود أن الله جل وعلا أكرم النساء ورفع قدرهن في الشريعة المحمدية، وجعل لهن حقوقًا عظيمة، وأمر الرجال أن يستوصوا بالنساء خيرًا، وأن يؤدوا حقوقهن، وقال جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فالزوجات لهن حقوق، والأمهات لهن حقوق، والبنات لهن، إلى غير ذلك، فالواجب على المؤمنين أن يؤدوا الحقوق التي عليهم للنساء، وألا يظلموهن في كل شيء.

وسمعتم في مقدمة هذه الندوة من الأمور التي ذكرها الدكتور محمد ....... من جهة النساء، ومن جهة التقاليد وأن الواجب على أهل الإسلام أن يسموا الأشياء بأسمائها، فالأحكام الشرعية والأعمال الشرعية يجب أن تسمى بأسمائها، وأنها أمور شرعية، وأنها أحكام شرعية ليست عادات بل أحكام شرعية، وهكذا يجب على المرأة وعلى الرجل أن يلتزم بحكم الله أينما كان، فلا يكون في بلاده ملتزمًا، وإذا خرج إلى بلاد الكفرة لم يلتزم ضيع الصلوات وشرب الخمور وضيع دينه، هذا ليس إسلامًا، هذا خروج على أحكام الإسلام، وهذا عصيان لمولاه عز وجل، وتعرض لخطر عظيم وهو الردة عن الإسلام، نعوذ بالله، تعرض خطر، هكذا المرأة إذا خرجت إلى بلاد أخرى تترك أحكام دينها وأحكام شريعتها بالبروز إلى الرجال وإظهار محاسنها للرجال وإظهار وجهها وشعرها، وغير ذلك مما قد يقع من كثير منهن عند مفارقة البلاد، وحتى في الطائرة نفسها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الواجب على النساء وعلى الرجال الالتزام بأحكام الله أينما كان الجميع، على الرجل أن يلتزم بحكم الله في بيته في المسجد في الطريق في الطائرة في البلد الإسلامية وفي غيرها، وعلى المرأة كذلك.

وسمعتم مجالات العمل التي ينبغي أن تكون للنساء، وأنه يجب على الدولة وعلى المسلمين أن يعنوا بهذا الأمر وألا تكون نساؤهم عرضة للفتنة والفساد، بل يجب أن تصان المرأة عن أسباب الفساد والشر في كل الأعمال في كل الميادين، قال الله جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، فعليهن أن يلزمن البيوت إلا لحاجة الخروج المصون السليم، وألا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.

والتبرج هو التكسر وإظهار المحاسن والمفاتن للرجال، وعليهن كما قال: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فهن مأمورات، والرجال مأمورون بأن يكون الحجاب بينهم، بين من يخاطب المرأة واتصل بالمرأة أن يكون من وراء حجاب، متحجبة من وراء الباب، من وراء الجدار، من وراء الخمار والجلباب؛ لأنها عرضة للفتنة، والوجه والرأس من المحاسن العظيمة والزينة العظيمة، والله يقول جل وعلا: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، ويقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، ثم بين العلة والحكمة، فقال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فالعلة واضحة والحكمة واضحة ولا يخص هذا أزواج النبي ﷺ؛ لأن غيرهن محتاج إلى ذلك، إذا كن مع تقواهن لله يؤمرن بهذا ويقال فيه أنه أطهر لقلوب الجميع فغيرهن من باب أولى أن يحتجن إلى هذا الشيء، فمن قال: إن هذا خاص بنساء النبي ﷺ فقد غلط، بل هذا حكم عام لجميع المؤمنات لجميع المسلمات أن يتحجبن ويبتعدن عن أسباب الفتنة، وأن حجابهن وتسترهن أطهر لقلوب الرجال وأطهر لقلوب النساء وأبعد عن الخبث أبعد عن الفاحشة والفساد وأسباب الفساد.