وإنما محل الكلام في تخصيصها بعبادات، فلم يرد في الشرع المطهر كما سمعتم من الندوة شيء من العبادات تخص رجب، لم يرد شيء يخص رجب من العبادات، لا يجوز للمسلمين أن يخصوه بشيء لم يرد به الشرع، وما ذاك إلا لأن العبادات توقيفية لا مجال للرأي فيها، وإنما تؤخذ العبادات عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا مجال للآراء في إحداث العبادات، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا، يعني في ديننا هذا، يعني الإسلام ما ليس منه فهو رد، أي مردود، وكان يقول في خطبه عليه الصلاة والسلام في الجمع: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، فليس لأحد أن يحدث في رجب ولا في غيره من الشهور ولا في الأمكنة شيئًا لم يشرعه الله، وعرفتم ما نبه عليه العلماء وذكره المشايخ في الندوة من أن الصلاة التي يسمونها صلاة الرغائب المحدثة في رجب بدعة، وهي ركعات تقام في أول ليلة جمعة من رجب، يسمونها صلاة الرغائب، أحدثت بعد مضي أربعمائة عام من موته ﷺ، يعني أحدثت في أول المائة الخامسة، وهي بدعة باطلة، فليس في رجب صلوات مخصوصة.
كذلك ما يخص فيه بعض الناس ليلة الإسراء والمعراج بزعمهم وهي ليلة السابع والعشرين بعضهم يخصها باحتفالات، وبعضهم يصوم نهارها، وهو اليوم السابع والعشرون، وهذا لا شك بدعة، ولا أصل له، سواء عرفت بالليلة، أم لم تعرف، مع أن الليلة التي أسري فيها عليه الصلاة والسلام قد أنساها الله الناس فلم تعرف الآن، ولم تعرف فيما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يرد فيها حديث يدل على عينها، نعم جاء فيها حديث لا يصح، مثل لو فرضنا كما سمعتم من الندوة لو فرضنا أنها معلومة في شعبان أو في رمضان أو في رجب أو في أي شهر آخر لم تخص بشيء لم يشرعه الله ، والرسول أعلم بها عليه الصلاة والسلام، والصحابة بعده أعلم وأحرص منا على الخير وأرغب في الحق والعبادة، فلو كانت تلك الليلة تخص بشيء وشرع الله فيها شيئًا لما ضيعوه، ولما تركوه وهم أحرص الناس على الخير، وهم أسرع الناس إلى كل عمل صالح، وهم السابقون، فلما لم يرد عنهم شيء في هذا الباب دل ذلك على أن ما يقوله الناس من تخصيص ليلة سبع وعشرين بشيء أنه لا أصل له.