1173- وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، والْبَيْهَقِيُّ، وقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ مُضْطَرِبٌ.
1174- وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ غَيْرَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: "لَا، والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمٌ يُعْطِيهِ اللَّهُ تعالى رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، ومَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ"، قُلْتُ: ومَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: "الْعَقْلُ، وفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وألَّا يُقْتَل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1175- وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ ، وقَالَ فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، ولَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، ولَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه. وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
1176- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ بِكِ هَذَا؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تبع أحاديث الجنايات كما تقدَّم، والله جلَّ وعلا بيَّن أحكامها في كتابه، وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام، فالواجب على الحُكَّام أن يحكموا بما شرع الله؛ حتى يرجع الظالم عن ظلمه، وحتى يستتبَّ الأمنُ، فإنَّ الله جعل القصاص حياة، وجعل العقوبات رادعة، ومن أسباب الأمن، ووقوف كل إنسانٍ عند حدِّه، فلا يجوز التَّساهل في شيءٍ من ذلك، بل يجب على ولاة الأمور تنفيذ أمر الله في عباد الله في الجنايات وغيرها.
وحديث عمر: أن النبي ﷺ قال: لا يُقاد الوالدُ بالولد، وهذا الحديث جاء من طرقٍ، وفي سنده بعض الضَّعف، ولكن طرقه يشدّ بعضُها بعضًا، ولهذا صحَّحه ابنُ الجارود والبيهقي رحمه الله وجماعة، وقال الترمذيُّ رحمه الله: "العمل عليه عند أهل العلم"، فالوالد له سبب وجود الولد، وهو أصل وجود الولد، لا يُقاد به، فإذا قتل ولدَه لا يُقاد به، ولكن عليه العقوبة، وعليه الدِّية للورثة.
والحكمة في ذلك والله أعلم: أنه سبب وجوده، وهو أصله، فلا يُقاد به، لكن يستحق أن يُعاقَب ويُؤَدَّب عن عدوانه، وعليه الدية للورثة لهذا الحديث؛ ولأنَّ أهل العلم عملوا بمُقتضاه، ثم جاء ما دلَّ عليه من المعنى.
والحديث الثاني: حديث عليٍّ ، وهو علي بن أبي طالب، الخليفة الراشد رضي الله عنه، رابع الخلفاء الراشدين، سُئل: هل خصَّكم النبيُّ ﷺ بشيءٍ؟ لأنَّ الرافضة تدَّعي أنهم اختصّوا بشيءٍ، وبالغوا في ذلك، وربما قالوا: إنَّ جبريل قد خان الرسالة، وأنها لعلي، فجعلها لمحمدٍ، فدخلتهم أخبار خبيثة من الرافضة، فلهذا سُئل عليّ عن هذا الشيء: هل خصَّكم النبي بشيءٍ؟ قال: لا، إلا فهمًا يُعطيه الله رجلًا في القرآن، ما خصَّنا بشيءٍ، لكن مَن أعطاه الله فهم القرآن، سواء من آل البيت أو من غير آل البيت، إلا ما في هذه الصَّحيفة، قلتُ: وما فيها؟ قال: "العقل" الدية يعني، "وفكاك الأسير، وألا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ"، الصَّحيفة كانت في جراب سيفه، سمعها من النبي ﷺ: العقل يعني الدية، وبيان فكاك الأسير، ولا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده.
وفيها أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم سواء، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، إذا أمَّن واحدٌ منهم، ولو لم يكن من خُبرائهم، أو امرأة أمَّنت، فذمَّتهم واحدة، إذا استوى تأمينها وتأمينه حتى يردّ إلى مأمنه، ولهذا لما أمَّنت أمُّ هانئ بعضَ الكفار يوم الفتح أمَّنهم النبيُّ ﷺ، وقال: قد أمَّنا مَن أمَّنتِ يا أم هانئ، حتى ينظر وليُّ الأمر في أمره إن تاب وأسلم، وإلا ردَّ له مأمنه.
وصاحب العهد لا يُؤخذ في عهده، إن كان له عهدٌ يبقى على عهده حتى تتم المدة، ثم إما أن يُسلم، وإما أن يُقاتَل، إلا أن ينقض العهد.
والحديث الثاني حديث أنسٍ : أنَّ جاريةً رضَّ رأسَها يهوديٌّ، وأخذ حُليَّها، الحلي التي عليها من الذهب والفضَّة أخذها، ولم يكتفِ بأخذها حتى رضَّ رأسها -والعياذ بالله- لعله لئلا تُخبر به؛ لئلا تدل عليه، فأراد أن يقتلها حتى لا يُعلم مَن أخذ حُليها، فرفع أمرها إلى النبي ﷺ وفيها رمقٌ، فسُئِلَتْ، وجيء لها بعدَّة يهودٍ يُتَّهَمون، فعُرِضُوا عليها: قتلك فلان؟ قتلك فلان؟ قتلك فلان؟ حتى مُرَّ عليها بمَن رضَّ رأسَها فأشارت: نعم، هذا هو الذي فعل، بالإشارة، فأُخذ هذا اليهودي فاعترف، فأمر رسولُ الله ﷺ أن يُرضَّ رأسه بين حجرين قصاصًا، وهذا يدل على أنَّ الجاني يُقتصُّ منه بمثل ما فعل: إن كان رضَّ رأسه يُرضُّ رأسه، إن كان ذبح يُذبح، إن كان قتله بالسم لا مانع أن يُقتل بالسم، لكن لا يُقتل بالنار، النار لا يُعذِّب بها إلا الله، إن كان بالنار فيُقتل بالسيف؛ لأنَّ الرسول ﷺ أرسل ناسًا في طلب إنسان قال: إذا لقيتُموه فحرِّقوه، ثم دعاهم قال: لا، إذا وجدتُموه فاقتلوه؛ فإنَّ النار لا يُعذِّب بها إلا الله سبحانه وتعالى.
وهذا معنى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، القصاص: المقاصصة، أن يُفعل بالجاني مثلما فُعل بالمجني عليه قصاصًا.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: الحديث حسن لغيره؟
ج: نعم، نعم.
س: حسن لغيره من أي ناحيةٍ؟
ج: من جهة الطرق؛ من حديث ابن عباس، والطريق الموقوف عن عمر.
س: تفريق الإمام مالك بين إذا الوالد قتل ولده بصيغة يُفهم منها العمد، مثل: إذا قتله بأسباب أوجاع، وبين إذا قتله بطريقة تأديب؟
ج: المعروف أن الحكم سواء قتله كذا أو كذا.
س: يسألن عن مسألتين، يحفظن في تحفيظ القرآن، المسألة الأولى: حكم مسك كتاب الله بالدسوس.
ج: نعم؟
س: مجموعة نساء يسألن عن مسألتين، يحفظن في تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، في المصليات، المسألة الأولى: حكم مسك المصحف بالدسوس، والمسألة الثانية: حكم دخولهن إذا حضن في المصليات؟
ج: مس المصحف بالقفازين لا حرج فيه إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، لا بأس تمس المصحف، وتُراجع ما تُريد، أما المصلَّى فما هو بمسجدٍ، الصحيح أنَّ المصلَّى ما هو بمسجدٍ، مصلَّى العيد ومصلَّى الجنائز ما هو بمسجدٍ، لا بأس أن تدخله وتجلس فيه، أما المساجد المعدَّة للصلاة فلا، تمر مرورًا: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43].
س: الغرف الخاصَّة بالنساء تُعتبر مساجد أم لا؟
ج: خارج المسجد؟
س: يعني مثل مسجدنا هذا، المسجد الذي جنبه؟
ج: إذا كان خارج المسجد ما تُسمَّى: مسجدًا، يستمعون الفائدة، وليس له حكم المسجد، إذا كانت الغرفُ خارج سور المسجد فهذه يُحفظ فيها حاجات المسجد، أو يُحفظ فيها كتب، أو تستمع فيها حائض أو نُفساء، لا بأس.
س: مكتوبٌ عليها: مُصلَّى النساء؟
ج: إذا كان خارج المسجد ما يكون من المسجد.
س: إذا كان .....؟
ج: إذا كان خارج المسجد.
س: ............؟
ج: إذا كان تبع المسجد لا، لا تجلس فيه.
س: .............. مصليات النساء تكون في نفس المسجد، فقط في الدور الثاني؟
ج: الدور الثاني تبع المسجد يا ولدي، أعلاه تابعٌ إلى الأرض.
س: هل في الصَّحيفة التي مع عليٍّ تفاصيل الدّيات؟
ج: الظاهر أن الذي فيها العقل: الدّيات، التفصيل يحتاج إلى تتبع الروايات.
س: الكافر يُقتل بالمسلم إذا كان القتلُ قتل غيلةٍ؟
ج: ظاهر النص عدم ذلك، الرسول قال: لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ، لكن يُعاقب، يُسدد الدية ويُعاقبه وليُّ الأمر بما يراه من العقوبات؛ ردعًا له عن الظلم، ويُؤدي الدية.
س: ما ضابط قتل الغِيلة؟
ج: كونه يخدعه، هذا غيلة، مثل: جارية يخدعها ويأخذ حُليها، ثم يذبحها، مثل: الذي يقول: تفضل قهوة، ثم يقتله، تفضل غداء، ثم يقتله، يدخل عليه آمنًا، ثم يخدعه بهذا؛ فالغيلة هي صفة خداع، بخلاف الذين تضاربوا في السوق، هذا ما هو بقتل غيلةٍ، تضاربوا وقتل أحدُهم الآخر، هذا ما هو بغيلةٍ، وأما الغيلة فهو الذي يخدعه، يأمنه صاحبُه على أنه آمن فيخدعه في بيته، أو في دكانه، أو في مزرعته، أو في سيارته، أو ما أشبه ذلك.
س: حديث: المؤمنون تتكافأ دماؤهم؟
ج: يعني: دماؤهم واحدة، هذا المعنى، لا يفرق بين عالم وعامي، فإذا قتل عالم عاميًّا، أو عامي عالمًا فالدية واحدة.
س: من حيث درجته؟
ج: لا بأس به، صحيح.
س: قال المُحقق هنا عن الصنعاني: "هنا يدل على تأثر الصنعاني بالبيئة الشيعية التي لجأ فيها"، كلام متوجِّه عفا الله عنك؟
ج: ما قرأتُ كلام الصنعاني حتى نحكم عليه.
س: قال: الجفر، عفا الله عنك؟
ج: أيش هي؟
س: قال: "ويدل عليه "وما في هذه الصَّحيفة"، فلا يلزم منه نفي ما نُسب إلى عليٍّ رضي الله عنه من الجفر وغيره، وقد يُقال"، وحطَّ حاشيةً عليه، وقال: "وهنا يدل على تأثر الصنعاني بالبيئة الشيعية"؟
ج: هذا غلط، هذا باطل.
س: رجلٌ كان مُسافرًا، ودخل في مسجدٍ وصلَّى به الظهر والعصر قصرًا، فلما تبين من اليوم الثاني أن المسجد في قبرٍ، وأراد أن يُعيد، فهل يُعيدها قصرًا، أم يُتمَّها؟
ج: بعدما وصل بلده يعني؟
س: لا، لا، في نفس البلد.
ج: بلد السفر؟
س: إيه.
ج: يُعيدها قصرًا، ما دام أنه ما زال مُسافرًا يُعيدها قصرًا.
س: طيب، لو رجع إلى بلده؟
ج: يُعيدها كاملةً في البلد، صارت الفريضةُ تامَّةً.
س: بعض الكفار يرغبون في الإسلام، فيُريدون نسخةً من المصحف، فيُعطون نسخةً مترجمةً، والنسخ المُترجمة عادةً يكون القرآنُ بجانب الترجمة؟
ج: لا بأس، الحكم للترجمة، مثل كتب التَّفسير.
س: لكن إذا كان القرآنُ غالبًا على التَّفسير؟
ج: ولو، المصلحة كبرى؛ لأنه فعله لأجل الترجمة.
س: إذا قتل الوالدُ ولدَه، وكان له نصيبٌ في الإرث، فهل يرثه؟
ج: لا، ما يرث، القتلُ يمنع الإرث.
س: إذا لم يكن له وارثٌ إلا هو، يدفع ديته؟
ج: ولو ما له وارثٌ إلا هو.
س: لمَن يدفع الدِّية؟
ج: لبيت المال، يأخذه بيت المال.
س: النَّصارى لو كانوا عربًا يقرأون القرآن، يقرأون العربي، نُعطيهم القرآن الذي فيه ترجمة؟
ج: الكفَّار لا، ما يُعطون، لكن إذا أسلموا أو فقهوا الترجمة لا بأس، ترجمة، مترجم.
س: المصلحة ما تُجيز؟
ج: لا، النبي ﷺ نهى أن يُشهر بأرض العدو؛ لئلا تناله أيديهم، وهذا قد لا يُؤمن عليه، لكن إذا كان ترجمةً لأجل الترجمة؛ لعلَّ الله يهديه ويُسلم بالترجمة، مثلما تُعطيه كتب التفسير، كتب الحديث.
س: اللَّفظة المُدرجة في الحديث: "فمَن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّته"، هل تعمل عادةً أم؟
ج: لا، السنة تركها أبدًا، لا، الوجه يكفي، وهكذا إذا غسل المرافق.
س: تحمل على ..؟
ج: هذا من اجتهاد أبي هُريرة ، وهذا الصواب ..... قد يكون لطالب العلم قولان، ثلاثة.
1177- وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَوا النَّبِيَّ ﷺ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ شَيْئًا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، والثَّلَاثَةُ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
1178- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثم جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، ثم جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَرِجْتُ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ، وبَطَلَ عَرَجُكَ، ثم نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.
1179- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا ومَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أَوْ ولِيدَةٌ، وقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، ووَرَّثَهَا ولَدَهَا ومَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ، ولَا أَكَلَ، ولَا نَطَقَ، ولَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ؛ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1180- وأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ مَنْ شَهِدَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْجَنِينِ، قَالَ: فَقَامَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْتُ بَيْنَ يدي امْرَأَتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ... فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالجنايات:
فالأول حديث عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي وعنه أبيه: أنَّ غلامًا لأناسٍ قطع أذن غلامٍ لأناس حيًّا، فأتوا النبيَّ ﷺ، فلم يفعل شيئًا، هذا الحديث أشكل على أهل العلم بأنَّ القاعدة أنه إن كان عمدًا فالقصاص، وإن كان خطئًا أو شبه عمدٍ فالدية، أما أن يذهب هدرًا فهذا ليس له نظيرٌ في الشرع، وقد بيَّن الله جلَّ وعلا: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، وبيَّن أنَّ الخطأ فيه الدِّية، فأشكل هذا الحديث، فإن كان صحيحًا فلا بدّ أن يُحمل على محملٍ شرعيٍّ، وهو أن يكون الغلامُ صغيرًا، عمله عمل الخطأ، أو يكون فقيرًا، وليس له عصبة أغنياء، فكلهم فقراء، فلهذا لم يحكم عليه بشيءٍ، ويحتمل أنه كان مملوكًا، فجعله النبيُّ ﷺ في رقبته حتى يُباع ويوفى.
المقصود أنَّ هذا الحديث مشكل، ويحتمل أنَّ الغلام الذي من الأغنياء كان مُتعدِّيًا، فلم يتخلَّص من تعديه إلا بقطع أذنه، فيكون هدرًا، كحديث يعلى بن أمية: الذي عضَّ إنسانًا يده، فاقتلع يده من فيه فسقطت ثنيته، فجاء يُطالب، فقال: لا شيء لك؛ أيدع يدَه تقضمها كقضم الفحل، لا شيء لك؛ لأنه مُتعدٍّ بعضِّه إياه، فلما نزع يده منه سقطت ثنيته من شدَّة النزع، فقد يكون هذا الغلامُ الذي من الأغنياء عضَّه من أذنه، أو طرحه، ولم يستطع التَّخلص منه إلا بعض أذنه؛ فصارت هدرًا.
المقصود أنَّ المشكل لا يُفسَّر بالأدلة المحكمة إذا وقع إن صحَّ.
وقول المؤلف: "بإسنادٍ صحيح" يحتاج إلى تأمُّلٍ، لعلَّ أحدَكم يجمع طُرقه؛ لأني أخشى أن تكون فيه علَّة، فلعلَّ أحدكم يجمع طرقه إن شاء الله، ونتأمله إن شاء الله، قول المؤلف بإسنادٍ صحيح؛ لأنه مخالفٌ للأصول.
والحديث الثاني: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: في الذي طعن رجلًا في ركبته بقرنٍ، فطلب القصاص، فطلب منه النبيُّ ﷺ أن يصبر حتى يُشْفَى، فاستعجل، ثم عرج، فأبطل النبيُّ ﷺ عرجه، ونهى بعد هذا أن يُقتصَّ من جرحٍ حتى يبرأ صاحبُه، واستقرَّت الشريعةُ على هذا: أنَّ مَن قطع يدًا، أو أصبعًا، أو أنفًا، أو غير ذلك لا يُقتصُّ له حتى يبرأ، حتى يتم البرءُ، ثم يقتص على بصيرةٍ؛ لأنه قد يسري، قد يقطع أصبعه فيسري فيموت من ذلك؛ فيكون قودًا، وقد يقطع يده فيسري ويموت من ذلك؛ فيكون فيه قود، وقد تُقطع رجله فتسري فيموت؛ فيكون له القود، فلا يستعجل كما نهى النبيُّ ﷺ أخيرًا، واستقرَّت الشريعةُ على هذا: أنه لا يُقتصُّ من العضو حتى يبرأ صاحبه، فإذا قطع يده يُمهل، فإذا برئ المقطوع تُقطع يد الثاني، فإن سرت الجنايةُ ومات بسببها فله القصاص كما بيَّنه النبيُّ ﷺ؛ أنه لا يُقتصُّ منه حتى يبرأ صاحبُه.
والتعليل بالإرسال ليس بجيدٍ؛ لأنَّ شُعيب بن محمد بن عبدالله سمع من جده، ولا يُقال: مُرسلًا إلا على اصطلاح بعض المحدِّثين، ويُقال: انقطاع.
الحديث الثالث: حديث أبي هريرة في الهذليتين اللَّتين ضربت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها، فيه دلالة على أن شبه العمد يلحق بالخطأ، ولهذا حكم على العاقلة بالدية، ولم يحكم بالقصاص، وجعل على الجانية دية جنين: غرة عبد أو أمة، فإذا كان مثل هذا مما لا يقتل غالبًا: حجرًا، أو عصا، أو شبه ذلك مما لا يقتل غالبًا، يكون شبه عمدٍ، وتكون فيه الدِّية المغلَّظة، ولا يكون فيه القصاص لهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه، وأما الغُرَّة فتكون على القاتلة؛ لأنها دون الثلث، والعاقلة يحملون الدِّية إذا كانوا أغنياء، أما إذا كانوا فقراء فعلى الجاني، إذا كانت العاقلة فقراء يتحمَّلها هو، إلا أن يتحمَّلها عنه بيتُ المال فلا بأس، ولا يضيع الدَّم.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ما معنى: الغُرَّة دون الثلث؟
ج: دون ثلث الدية، يعني: خمس من الإبل، العشير عشير الدية.
س: في وقتنا الحاضر؟
ج: خمس من الإبل يُساوي خمسين ألفًا، نصف الرجل، الرجل مئة ألف.
س: يعني هذه الوليدة؟
ج: عن الغُرَّة، عن الحمل.
س: سكوت الحافظ على الحديث هل يُعتبر هذا من باب الاحتجاج؟
ج: إذا سكت لا، ما يكفي سكوته، بالنظر يدل على أنه يسكت والحديث ضعيف، قد يتساهل في هذا رحمه الله، فلا يُعتبر سكوته تصحيحًا.
س: طيب، وفي "الفتح" حفظك الله؟
ج: ..... قد يسكت، قد يسوق الحديثَ ويسكت، فلا يُعتبر أنه صحَّحه، قد جربنا هذا وعرفنا أنه يقع ضعيفًا، ولا يُنَبِّه عليه في موضعه، إذا كان ابنُ جرير في التَّفسير والبغوي في التفسير قد يسوقان الأحاديث وهي ضعيفة ولا يُنَبِّهان عليها.
س: يقول هنا: الحديث صحيح الإسناد، ذكره الألباني في "صحيح النسائي" -حديث عمران؟
ج: مثلما قال الحافظ، الحافظ أعلم من الشيخ الألباني، وبيَّن أن إسناده صحيح، ولكن ولو، حتى ولو قال الألباني، وحتى ولو قال الحافظ، لا بدّ من النظر في أسانيده؛ لأنه قد يُخطئ الألباني والحافظ وغيرهما، مثلما قال مالكٌ رحمه الله: "ما من رادٍّ إلا ومردودٌ عليه"، قد يُشغل الإنسانُ ولا يتتبَّع السندَ؛ فيحكم عليه بالصحة على ظاهره، قد يكون فيه شذوذ، قد تكون فيه علَّة تدليس، قد يكون فيه وهمٌ من بعض الرُّواة.
س: كلام الهُذلي سلَّمك الله؟
ج: هذا يدل على أنه ما ينبغي، ما يجوز السجع لردِّ الحقِّ، هذا من عمل الكُهَّان، أما السجع في الحقِّ إذا جاء على غير تكلُّفٍ فلا بأس، إذا كان في نصر الحقِّ، أما في نصر الباطل فلا يجوز، لا بسجعٍ، ولا بغيره.
س: بالنسبة ليوم الجمعة: مثلًا إذا حضر الإنسانُ مبكرًا، ثم تنفَّل، وقبل أن يدخل الإمامُ بعدما قرأ القرآن قام تنفَّل، ووقت هذا وقت نهيٍ أحسن الله عملك، يُعتبر؟
ج: ليس فيه وقت نهي يوم الجمعة ما فيها وقت زوالٍ؛ لأنَّ الرسول أمر مَن جاء أن يُصلي ما قدر له، ولم يقل: إلى وقت الوقوف، فاستثنى بعضُ أهل العلم يوم الجمعة، مُستثناة، الوقوف يوم الجمعة ...
س: ليس هناك وقتُ نهيٍ مطلقًا كل وقت الجمعة، يوم الجمعة؟
ج: فقط قرب صلاة الجمعة، قبل الزوال يعني.
س: قبل -أحسن الله عملك- أن يدخل الإمامُ ...؟
ج: لا حرج، يُصليها حتى يدخل الإمامُ؛ لأنَّ الرسول شرع ذلك، وبيَّن له أنه يُصلي حتى يخرج الإمام، ولم يقل له أن يقف وقوف الشمس.
س: أما عصرها، عصرها فيه وقتُ نهيٍ؟
ج: عصرها وقت نهيٍ، والصباح وقت نهيٍ ...
س: درس تفسير البغوي حفظك الله في ..... فيه زحام شديد جدًّا، حبذا لو كان في المسجد، أو في مكانٍ واسعٍ؛ لأنه يجد اليوم زحمةً شديدةً جدًّا؟
ج: نشوف، نتأمَّل.
س: دية المقتول المسلم، ودية المقتول الكافر، هل تتغير بتغيُّر الأزمان أم ثابتة، مثل وقتنا هذا؟
ج: دية الكافر المعاهَد على النصف من دية المسلم على الراجح.
س: هل تثبت بمبلغٍ معينٍ في وقتنا؟
ج: على حسب اجتهاد الحكَّام: القضاة وولي الأمر ينظرون؛ لأنَّ هذا يختلف بحسب قيمة الإبل.
س: صرف دية الكافر المُعاهَد إلى نصف الدِّية؟
ج: جاء في حديثٍ جيدٍ صحيح لا بأس به.
س: الدليل على أنَّ دية الكافر على نصف دية المسلم؟
ج: جاء بحديثٍ جيدٍ لا بأس به.
س: إذا صلَّى الإمامُ خامسةً، وقد فاتت المأمومُ ركعةً، يُسلِّم معه؟
ج: لا يعتدّ بها، لا.
س: يُسلِّم معه؟
ج: لا يُسلِّم معه، يقوم ويأتي بما فاته؛ ركعة واحدة، ولا يُتابعه إذا كان يعلم أنها زائدة، لا يُتابعه، وإن تابعه جاهلًا فلا يعتدّ بها.
س: يكون صلَّى خمسًا أحسن الله إليك؟
ج: ما يعتدّ بها، حكمها حكم العدم؛ لأنَّ قضاءه يكون بعد سلام الإمام.
س: التَّخصر المنهي عنه في الصلاة، أيش الصحيح ...؟
ج: وضع اليد على الخاصرة.
س: لأنه ذكر ابن حجر، يعني: إذا قبض اليدين، لكن مدَّهما إلى الخاصرتين؟
ج: يضع يده على الخاصرة هذه، أو هذه، إحداهما.