الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا في هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر، والشيخ فوزان الفوزان، والشيخ إبراهيم بن عبدالله بن غيث، فيما يتعلق في موضوع عظيم وهو موضوع التوبة.
لا ريب أن التوبة -كما قال المشايخ- فرض عظيم على كل مسلم، فمن رحمة الله أن شرعها لعباده وأمرهم بها، وفتح بابها إلى أن تطلع الشمس من مغربها، هذا من فضله وجوه وكرمه ، وقد استوفى المشايخ الكلام الجيد في هذا الموضوع وأضحوا جميعًا وجوب التوبة، وأن الله يمحو بها السيئات، وبينوا شرائطها وأجادوا وأفادوا، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا في هذا الموضوع وغيره.
أيها الإخوة في الله: إن كل إنسان هو محل الخطايا والذنب، وأن الواجب على المسلم بوجه أخص أن يعنى بهذا الأمر، وأن يلزم التوبة دائمًا؛ لعله يلقى ربه بالتوبة، فإن لقاء الله سبحانه بالذنوب التي لم يتب منها فيه الخطر العظيم، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن كثيرًا من أهل المعاصي يدخلون النار بذنوبهم، هذا يدخلها لأنه مات عاقًا لوالديه، وهذا يدخلها لأنه مات عاقًا لأحد والديه، وهذا يدخلها لأنه مات على الربا فيعذب بذلك، وهذا يدخلها لأنه مات على الخمر وشرب الخمر وعدم الإقلاع منها والعياذ بالله من ذلك، وهذا يدخلها لأنه مات على الزنا ولم يتب، وهذا يدخلها لأنه مات على اللواط وإتيان الذكور ولم يتب نعوذ بالله من ذلك، وهذا يدخلها على ذنوب أخرى ومعاص أخرى، فيعذبهم الله كما يشاء على قدر ذنوبهم، وعلى قدر معاصيهم، ومنهم من يموت على عدة من الذنوب وعلى عدة من المعاصي، فمن عفا الله عنه بأعمال صالحة وحسنات عظيمة وهو أرحم الراحمين سلم من ذلك، ولكن كثيرًا من المعاصي لا يسلمون، بل يدخلهم الله النار بأعمالهم السيئة التي ماتوا عليها، وجاء في الأحاديث أن الله يخرجهم من النار ظبائر ظبائر قد امتحشوا قد احترقوا بسبب الذنوب حتى يلقوا في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السي،ل فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة بعد ذلك بإسلامهم الذي ماتوا عليه، وجاء في الأحاديث أن كثيرًا من المصلين يدخلون النار، وأن الله حرم على النار أثر السجود من ابن آدم، دخلوا النار وهم مصلون فكيف بغير المصلين؟ دخلوها وهم مصلون لكن لهم ذنوب أخرى لهم ذنوب غير ترك الصلاة، دخلوها بالربا، دخلوها بالزنا، دخلوها بشرب الخمر، دخلوها بالعقوق للوالدين، دخلوها بالظلم للناس، دخلوها بالزنا، دخلوها بغير هذا من المعاصي التي ماتوا ولم يتوبوا منها، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من ظلم شبرًا من الأرض، وفي لفظ: شيئًا من الأرض طوقه الله يوم القيامة ذلك من سبع أرضين، فلينظر العبد لنفسه وليحذر ولاسيما من يتعاطى في الأراضي فإن الخطر عظيم، فليتق الله وليحذر، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح من حديث علي : لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض، منار الأرض مراسيمها وعلاماتها، أخبر النبي ﷺ أن الله لعن من فعل هذا لما فيه من الشر العظيم والفساد والنزاع والخصومات، فالواجب على أهل الأرض من المكلفين التوبة إلى الله، المسلم والكافر جميعًا على الجن والإنس جميعًا عليهم أن يتوبوا إلى الله، الكافر في التوبة إلى الله في الدخول إلى الإسلام والرجوع عما هو عليه من الكفر، سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا أو بوذيًا أو غير ذلك من أصحاب الشرك وعباد الأوثان، الواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى الله، وأن ينيبوا إليه ما داموا في دار المهلة، ما داموا في دار العمل، فالكافر يبادر بالتوبة والدخول في الإسلام الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وذلك بإعلان توبته من الشرك، وإيمانه بأنه لا إله إلا الله حقًا، وأنه المعبود الحق ، وإعلانه أن محمدًا رسول الله ﷺ حقًا، وأن الله أرسله إلى الناس كافة، من اتبعه وآمن به فله الجنة، ومن حاد عن سبيله ولم يؤمن به فله النار، ثم يستقيم على ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى المؤمن بوجه خاص أن يعلن التوبة دائمًا، ويلزمها دائمًا؛ لأنه على خطر من خطاياه، ولهذا خص الله المؤمنين بقوله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور:31]، قال سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم: 8] .......
وهناك أمر رابع وهو التوبة من حق من حقوق الناس ومظالمهم، لا بد من ذلك إذا كان عليه حقوق، لا بد أيضًا من إعطاء الحقوق لأهلها، أو استحلالهم منها كما سمعتم، إذا كان قد ظلم أحدًا في ماله أو ضربه أو سفك دمه أو ما أشبه ذلك أو سبه لا بد أن يتحلل من ذلك، إذا كان مال يعطيه ماله، وإذا كان قصاصًا يمكنه من القصاص، فالحقوق التي للناس عليك أيها المؤمن عليك أن تجتهد في أدائها قبل الموت، سواء كانت تتعلق بالدماء، أو بالأموال، أو بالأبدان، أو بالأعراض، صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصح عنه أيضًا عليه الصلاة والسلام أنه قال للصحابة ذات يوم: ما تعدون المفلس فيكم، قالوا: يا رسول الله! المفلس من لا درهم له ولا متاع، يعني: ما عنده مال لا نقود ولا غيرها هذا المفلس، فقال عليه الصلاة والسلام: لكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة، ويأتي وقد ضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا أو كما قال عليه الصلاة والسلام: ثم قال: فيعطى هذا من حسناته، ويعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته ولم يقض ما عليه حمل عليه من سيئات المظلوم ثم طرح في النار هذه العاقبة لمن ظلم الناس، والعياذ بالله.