أما المبتدعة فلهم أحوال كثيرة، ولهم أقسام كثيرة، سموا مبتدعة لأنهم أحدثوا شيئًا زعموه دينًا وزعموه حقًا وهو باطل؛ لأنهم أحدثوا أشياء زعموها دينًا وليست بدين، والمبتدع هو الذي يحدث في الدين ما لم يأذن به الله، يقال له مبتدع، فالخوارج أحدثوا شيئًا سمعتموه، وأنهم قالوا: من زنا كفر، من سرق كفر، كفروا الناس بالذنوب، غلو صار عندهم غلو، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه يخرج في آخر الزمان حدثاء الأسنان، قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه»، هذا الخوارج، ولهذا قال بعض السلف: إنهم كفار، وإن كان الكثير أبوا تكفيرهم، لكن قال جمع من السلف وقولهم أظهر في الدليل أنهم كفار يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم، ولهذا مرقوا في عهد علي، وقالوا: إن الصحابة فعلوا وفعلوا فكفروهم إلا قليلًا، وكفروا عليًا، وكفروا معاوية، واستحلوا الدماء والأموال، فقتلهم علي رضي الله عنه في النهروان وقتل منهم جمًا غفيرًا، ورجع كثير منهم إلى الحق والهدى، ثم تشتتوا شذر مذر في البلدان، ولم تزل لهم باقية إلى اليوم بقايا في الجزائر وفي ليبيا وفي عمان، ولكن حالتهم فيما بلغنا أحسن من حال الأولين بعض الشيء، فإنهم تركوا التكفير، ولكنهم قالوا بقول المعتزلة فيما بلغنا عنهم، يقولون: العاصي مخلد في النار، وهذا باطل خلافًا للسنة والجماعة، وخلافًا لما جاء في القرآن، وخلافًا لما جاء في السنة، اشتبهت عليهم بعض الأمور وزعموا أن قوله جل وعلا: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ[المائدة:37]، أن هذا يعم العصاة ويعم الكفار وهذا باطل، إنما هذا في الكفار، أما العاصي إذا دخل النار فإنه يخرج بتوحيده وإسلامه، قد يدخل الزاني النار يدخل شارب الخمر النار السارق إذا ما تاب مات على حاله ما تاب قد يدخل النار كما جاءت به النصوص ولكنه لا يخلد، ما هو مثل الكافر لا يخلد، بل يخرجه الله بعد ذلك بحكمته العظيمة وفضله ، تارة بشفاعة الشفعاء، وبعضهم بغير شفاعة الشفعاء من فضل الله ورحمته ، إذا طهروا في النار ومحصوا أخرجوا منها إلى الجنة لما معهم من الإسلام والإيمان خلافًا لما قال الخوارج: إنهم كفار، وأن الزاني كافر، والسارق كافر، وأنه مخلد في النار، هذا قول باطل خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، وخلاف ما قاله الله ورسوله والرسول ﷺ، قال في ....... ما قال، ولكن لم يكفر الزاني بل أوجب الله على الزاني جلد المائة إن كان بكرًا ورجمه إذا كان محصنًا، ويصلى عليه ولا يعد كافرًا، بل يعد عاصيًا ظالمًا لنفسه ضعيف الإيمان، وهكذا السارق تقطع يده ولا تقتل؛ لأنه تعدى على المسلمين، فتقطع يده ولا يقتل، فالعاصي لو كان كافرًا قتل من بدل دينه فاقتلوه كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أن الخوارج وهكذا المعتزلة الذين قالوا مثل قول الخوارج أنه من دخل النار من العصاة لا يخرج وأنهم مخلدون في النار ولكنهم توقفوا في الدنيا، وقالوا: لا نقول فيهم مسلمون ولا كافرون، ولكن ننزلهم في منزلة بين المنزلتين، وظلوا عن السبيل، هؤلاء المبتدعة من المعتزلة، وهكذا ظلوا في الصفات في نفي الصفات القدرية والمعتزلة ظلوا في نفي الصفات، وظلوا في أشياء كثيرة من بدعهم المعروفة.