ومما علق عليه أصحاب الفضيلة مسألة العرض، إذا كان قد يغتاب بعض الناس هذا أمر خطير، فإن تيسر أن يستبيح ذلك الشخص ويقول: قلت في عرضك كذا وكذا فأبحني، إذا تيسر ذلك ولا يخشى أن يحدث ما هو أكبر من الشر استباحه في ذلك، فإن كان يخشى أن يقع شر أكبر إذا أخبره فإنه لا يخبره، ولكن يدعو الله له ويستغفر له ويذكره بأحسن ما يعرف من أعماله في الأماكن والمواضع التي ذكره فيها بالسيئ واغتابه به فيها، يعني: يدعو له ويستغفر له، ومعنى ذلك أن يذكره في المواضع التي اغتابه فيها بما يعلمه من محاسن عمله، لا يكذب يقول: إنه كذا وكذا وهو يكذب لا، لكن يذكره بما يعلم من محاسن أعماله الطيبة بدلًا مما ذكر من مساوئ أعماله، ويكون هذه بهذه.
ومما يعلق عليه أيضًا للتأكيد على ما ذكره المشايخ نعلق على مسألتين أيضًا من باب التأكيد والإيضاح، إحداهما: إذا كان الإنسان قد عمل الصالحات ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام وهداه الله بعد ذلك هل تحبط أعماله الطيبة الماضية من حج وغيره أم لا؟ الصواب مثلما سمعتم أنها لا تحبط هذا الصواب، بل تكون له أعمال إذا عاد إلى الإسلام وأسلم يكون قد أحرز أعماله الأولى بإسلامه؛ لأن الله سبحانه شرط في إحباطها الموت على الكفر، فقال: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، فإذا مات مسلمًا فقد أحرز عمله الأول، وحجه الأول صحيح، ورمضانات التي صامها صحيحة، وهكذا لا يحبط شيئًا وقال أيضًا جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} [البقرة:161]، فقيد موتهم وهم كفار فتحبط أعمالهم بموتهم وهم كفار، أما إذا ماتوا على الإسلام عادوا إلى الإسلام وهداهم الله فقد أحرزوا أعمالهم السابقة، وبقيت لهم أعمالهم السابقة التي فعلوها في حال إسلامهم الأول قبل أن يرتدوا.
المسألة الثانية: لو ارتد المسلم ثم هداه الله هل يقضي الصلوات والرمضانات التي تركها أو ما يقضيها؟ خلاف بين أهل العلم، والصواب أنه لا يقضيها مثلما سمعتم في الندوة، الصواب أنه لا يقضيها ولا يلزمه القضاء، ومما يدل على المعنى قوله جل وعلا: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال:38]، فالذي رجع إلى الإسلام يغفر له ما قد سلف، والإسلام يهدم ما كان قبله، فلا يعيد الصلوات ولا يقضيها، قد يكون تركها شهرًا شهرين سنة سنتين فلا يعيد، بل توبته تمحو ذنوبه الماضية من ترك صلاة وصوم وغير ذلك، فإسلامه الجديد هدم ما كان قبل ذلك من الذنوب، وتوبته هدمت ما كان قبل ذلك من الذنوب، وإسلامه مثل ما تقدم أحرز أعماله الطيبة السابقة، وفي الحديث الصحيح لما قال حكيم: يا رسول الله! حكيم بن حزام إنه كانت لي عتاقة وأعمال في الجاهلية أتحنث بها فهل تنفعني؟ أو قال: فهل لي منها من شيء؟ قال له النبي ﷺ: أسلمت على ما أسلفت من خير، فالإسلام محرز لما تقدم، أسلمت على ما أسلفت من خير، فإسلامه أحرز أعماله الطيبة السابقة، وتوبته هدمت السيئات التي عليه، إذا تاب توبة صادقة وأسلم إسلامًا حسنًا من جميع الذنوب محا الله به ذنوبه.
أما من أسلم إسلاما لم يكمله فإنه يؤخذ بالأول والآخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلو كان في الجاهلية يشرب الخمر ثم أسلم ولكن بقي على شرب الخمر ما أسلم منها فإنه يؤخذ بالأول والآخر والعياذ بالله؛ لأنه لم يسلم منها ولم يتب منها بل إسلامه نفعه في محو الكفر عنه وما تركه لله ........، وأما ما بقي عليه من حال الجاهلية من شرب الخمر أو من قطيعة الرحم أو من الربا فإنه يؤخذ بالأول والآخر؛ لأنه ما أسلم منه ولا تاب منه، فيؤخذ بالأول والآخر.
ونسأل الله للجميع العافية والتوفيق والهداية.