الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه الصلاة والسلام، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة في موضوع وجوب التفقه في الدين، والتعلم، الذي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، والشيخ جعفر شيخ إدريس، والشيخ محمد بن سليمان المنيعي، ضاعف الله مثوبتاهم، وجزاهم خيرًا، فقد بينوا وأوضحوا هذا الموضوع العظيم، وشرحوا ما ينبغي أن يذكر في هذا المقام من وجوب تعلم العبد دينه وتفقهه في ذلك، وأن العباد إنما خلقوا ليعبدوا الله، ولا طريق إلى عبادة الله كما شرع إلا بالتعلم والتفقه في الدين، وقد أوسعوا المقام بحمد الله في ذلك وبينوا ما يجب بيانه، وأوضحوا شدة الضرورة إلى التفقه في الدين، ولاسيما في هذا العصر الذي فشا فيه الجهل، وشغل أكثر الناس فيه بالدنيا، وشهواتها، وزخرفها، ولذاتها العاجلة، وعلومها، وما يجلب المال على أهله، وقل فيه علماء الحق علماء العقيدة والبصيرة، وكثر فيه المدعون للعلم، والذين هم في الحقيقة ليس عندهم منه شيء، وهذه من المصائب العظيمة التي بلي بها المجتمع في غالب الدنيا، ومصداق ما أخبر به النبي ﷺ حيث قال: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء خرجه مسلم في صحيحه، وفي رواية أخرى: فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، وفي لفظ آخر: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي لفظ آخر يقول: هم النزاع من القبائل، وفي لفظ آخر: هم أناس صالحون قليل، في أناس سوء كثير، ولكن هذه الغربة يحصل بعدها ظهور وعلم وانتشار للدين بسبب ظهور من يتفقه في الدين ويتعلم ويتبصر ويعنى بالعلم يعنى بما قال الله ورسوله، ولهذا أخبر النبي ﷺ أنه يكون في آخر الزمان المهدي يحكم بالعدل، ويملأ الدنيا عدلًا بعدما ملئت قسطًا وجورًا، وأخبر أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان، ويهلك الله في زمانه الأديان كلها إلا الإسلام، فلا يبقى إلا الإسلام، ويزيل الله جميع الأديان من يهودية ونصرانية وغير ذلك من سائر النحل الباطلة، ولا يقبل من الناس إلا الإسلام أو السيف، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، لا يقبل الجزية، بل يتركها ولا يقبلها، ولا يقبل إلا الإسلام، وتكون السجدة لله وحده، ما يبقى كافر، بل يبقى جميع المجتمع جميع الثقلين يعبدون الله وحده ، وهذه من البشارات العظيمة التي أخبر بها النبي ﷺ.
وهنا بحمد الله الآن بشارات وحركات كثيرة إسلامية تنشد الحق، وتريد الحق، وتبحث عما قال الله ورسوله، لا عن رأي فلان ورأي فلان فقط، ولكن تبحث وتدين بما قال الله ورسوله، وتسأل عما قال الله ورسوله، وتذاكر في ذلك، وتكتب في ذلك، وتجمع في ذلك، وهذه من البشارات العظيمة، وهي بحمد الله في أماكن كثيرة في الجزيرة وفي خارج الجزيرة، وفي بلدان إسلامية وغير إسلامية، وفي أقليات كثيرة من المسلمين ظهر فيهم شباب يريد الحق ويطلب الحق، وتبعهم على ذلك شيوخ وكهول، وغير ذلك ممن ينشد الحق ويريده، فهذه من البشارات العظيمة التي ينبغي للمؤمن أن يسر بها، وأن يفرح بها، وأن يسأل الله لها النمو والمزيد والتوفيق، وأن يوفق أهلها لمعرفة الحق واتباعه، وأن يمنحهم البصيرة النافذة والاجتماع على الحق والتواصي بالحق والصبر عليه، وأن يعيذهم من مضلات الفتن وإيانا وسائر المسلمين.
المقصود أن التعلم والتفقه كما سمعتم أمر لازم، وقد سمعتم الله يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فكيف تعلم هذه العبادة يا عبد الله وأنت لا تتعلم، لا بد أن تتعلم حتى تعرف هذه العبادة من صلاة، وصوم، وإخلاص لله، وزكاة، وحج، وجهاد، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وإيمان بالله، وبما أخبر الله به ورسوله، وعناية بكل ما شرعه الله ، فالعبادة خضوع لله، وتذلل لله، وطاعة لله بأوامره وترك نواهيه، ولكن هذا يحتاج إلى علم.
وسميت طاعة الله ورسوله عبادة لأنها تؤدى بالذل لله، والخضوع لله، وسمي العبد عبدًا لذله لله، وخضوعه لله ، فالعباد عباد الله؛ لأنه خالقهم، لأنه أوجدهم من العدم، وغذاهم بالنعم، فهم عبيده، وهم أذلاء له منكسرون خاضعون له ، وهذه العبادة التي أمر الله بها من طاعته وطاعة رسوله ﷺ بالصلاة والزكاة والصوم والجهاد والحج وغير ذلك تسمى عبادات؛ لأنها تؤدى بالذل والخضوع لله عز وجل، ولا تصير عبادة ولا تقبل ولا تنفع حتى يكون معها إخلاص لله، وحتى يكون معها إيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وبسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالملائكة، والكتب، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.