وجوب العبودية لله سبحانه وتعالى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى وآله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحبي الفضيلة: الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن .......، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين فيما يتعلق بالعقيدة السلفية، وما يخالفها من العقائد المبتدعة، ولقد بينا وأوضحا العقيدة الصحيحة التي جاء بها الكتاب والسنة ودرج عليها سلف الأمة، وبينا الكثير من العقائد الباطلة والعقائد المبتدعة الضالة، وأجادا وأفادا، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتاهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا.

لا ريب أن العقيدة هي أساس الدين، وأن الواجب على أهل الدنيا على أهل العقل والفكر من جن وإنس أن يعبدوا الله وأن يعتقدوا ما جاء به كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وعلى جميع العالم شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها يجب عليهم جميعًا على العقلاء المكلفين أن يعبدوا الله، وأن يؤمنوا بما جاء في كتابه العظيم من القرآن وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، فهذا فرض على الجميع؛ لأن الله خلقهم ليعبدوه، خلقهم كلهم ليعبدوه اليهود والنصارى والوثنيين والمجوس والبوذيين وسائر أهل الأرض من جن وإنس كما يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

فالجن كلمة تشمل جميع أصنافهم، والإنس كذلك كلمة تشمل جميع أصناف الإنس عرب وعجم وبيض وسود وحمر وسائر الملونين، كلهم مأمورون وكلهم مفروض عليهم أن يعبدوا الله، وأن ينقادوا لشرعه الذي جاء به رسوله الأمين محمد عليه الصلاة والسلام، وألا يحيدوا عن ذلك أبدًا، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يعني: ليعبدوني، يعبدوا الله وحده ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات:57-58]، فالرزق من عنده جل وعلا، هو الذي أعطاهم الصحة، وأعطاهم العلوم، وأنزل الأمطار، وأجرى الأنهار، وأوجد البحار، وأوجد لهم كلمة نعمة وكل خير، وأقام عليهم الحجج ببعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم ختم الرسل بأفضلهم وإمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، وجعل رسالته عامة ليست خاصة بالعرب، بل عامة لجميع أهل الأرض من الجن والإنس، كما قال : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[سبأ:28]، وقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ[الفرقان:1]، وهو محمد عليه الصلاة والسلام لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا[الفرقان:1]، قيل: ليكون العبد، وقيل: ليكون القرآن، وكله حق، والمعنى: أن يكون القرآن ومحمد جميعًا كلهم نذر، كلاهما نذير للعالمين، فالقرآن نذير، ومحمد نذير عليه الصلاة والسلام.

وقال سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ[الأنعام:19]، فهو نذير لجميع العالم، وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف:158]، فالهداية باتباعه وفي طاعته عليه الصلاة والسلام، والضلال والشقاء والكفر في الكفر به وإنكار ما جاء به عليه الصلاة والسلام.