وقد سمعتم شروط التوبة وأن التوبة النصوح التي يمحو الله بها الخطايا لا بد فيها من الندم والإقلاع والعزم الصادق على عدم العودة ورد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها، هكذا تكون التوبة، فلا بد من هذه الأمور، أولًا: الإقلاع من الذنوب يعني تركها والحذر منها خوفًا من الله وتعظيمًا لله، إن كنت زانيًا دع الزنا واحذره وأقلع منه واندم على ما مضى من ذلك العمل السيئ واعزم ألا تعود في ذلك عزمًا صادقا، وإن كنت ترابي فدع الربى وأقلع منه واندم على ما مضى واعزم ألا تعود فيه، وإن كنت عاقًا لوالديك أو أحدهما فبادر ببرهما واستسماحهما وأقلع من ذلك واندم على ما مضى واعزم ألا تعود واستسمح والديك، وإن كنت قاطعًا للرحم هكذا صل أرحامك وأقلع من هذا الذنب العظيم واعزم ألا تعود فيه واندم على ما مضى منه، وهكذا إذا كنت تشرب المسكر أو تتعاطى الدخان أو غير هذا من المخدرات الخبيثة والذنوب العظيمة بادر بالتوبة بادر بالإقلاع من هذا الذنب واندم على الماضي منه واعزم عزمًا صادقًا على ألا تعود في ذلك، وهكذا بقية الذنوب كالغيبة والنميمة وغير ذلك من المعاصي التوبة منها بالإقلاع والحذر والندم على الماضي والعزم الصادق على ألا تعود في ذلك، وإذا كانت عندك مظالم قتلت نفسًا بغير حق أخذت مالًا بغير حق ضربت إنسانًا بغير حق فاعطه حقه سلم نفسك للقصاص، أو اعط الدية إذا سمحوا بها، رد المال إلى أهلها أو تحللهم من ذلك، استسمح من ضربه وأعطه حقه إلى غير ذلك من الحقوق حتى تسلم من شر هذه الذنوب، وحتى تلقى ربك وأنت قد تبت إلى الله منها، وأديت ما عليك من الحقوق لأهلها، أو استسمحتهم منها وفي ذلك تمحا عنك الذنوب، وإذا أتبعت هذه التوبة بالعمل الصالح والإيمان الصادق أبدل الله تلك السيئات حسنات؛ كما قال في سورة الفرقان لما ذكر الشرك والقتل والزنا وما يجازى به أهلها قال بعد ذلك: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]، هذا من فضله سبحانه وتعالى أنك إذا تبت توبة صادقة وأتبعتها بالإيمان والعمل الصالح أن تلك السيئات يبدلها الله حسنات مكان كل سيئة حسنة وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، فربنا جواد كريم يمحو السيئات للتائبين ويغفرها لهم، ومع ذلك يعطيهم بدلها حسنات إذا أتبعوا توبتهم بالإيمان الصادق والعمل الصالح والاجتهاد في الخيرات أبدل الله سيئاتهم حسنات .