... وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحبا الفضيلة: الشيخ محمد بن .......، والشيخ صالح الفوزان، في موضوع الربا، وقد أجادا وأفادا وبينا ما ينبغي بيانه، فجزاهما الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا.
ولا شك أن الأمر خطير كما قال الشيخان، موضوع الربا خطير جدًا، وواقع في الناس، وقد تساهل به الجم الغفير لأجل الطمع في الدنيا، والحرص عليها، والرغبة فيها، وحبها الكثير، وبسبب الجهل بالعواقب، وكثرة من يشبه بهذا الباب وغيره، والواجب على المؤمن كما سمعتم في الندوة أن يعنى بدينه، وأن يتفقه في دينه، وأن يسأل أهل العلم، وألا ينساق مع الناس فيما يفعلون، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، فالأمر خطير جدًا في كل ما حرم الله إن لم ينتبه الراغب في الخير، والطالب للنجاة فيسأل عن دينه ويتفقه وإلا وقع في الكثير من الأخطاء والفساد والضلال، وقد قال الله : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وأهل الذكر هم أهل العلم، فالمؤمن يتحرى في سؤاله لا يسأل من هب ودب، ومن ادعى العلم وهو لا يعرفه، ولكن يسأل أهل العلم المعروفين بخوفهم من الله، وتعظيمهم الله، وعنايتهم بالعلم بما قال الله ورسوله، العلم قال الله قال رسوله، ليس مجرد الرأي، ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وهذا حديث عظيم جليل يدل على أن من أراد الله به خيرًا فقهه في دينه وعلمه شريعته، وأن من لم يرد الله به خيرًا يبقى في ضلاله وجهله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكيف يرضى المؤمن أن يبقى في جهله وعدم بصيرته بأحكام الله، فإيمانه وإسلامه وخوفه من الله وتعظيمه لحرماته كل ذلك يدعوه إلى أن يسأل ويتفقه في أحكام الربا وغير ذلك، في صلاته، وصومه، وزكاته، ومعاملاته في الربا وغيره، حتى يتبصر، حتى يعمل على هدى، وأنتم تعلمون اليوم أن الإسلام في غربة، وأن الشر انتشر واختلط الناس حابلهم بنابلهم، وكافرهم بمسلم، وفاجرهم بتقيهم، فوجب على المؤمن أن يحذر، وأن يسأل ربه التوفيق والهداية حتى لا يهلك مع من هلك، والله عز وجل بين لعباده أحكام دينهم قال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، فأنزل كتابه العظيم تبيانًا لكل شيء مما يحتاجه الناس قال : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم يبين للناس ما نزل إليهم، ويشرح لهم أحكام دينهم كما قال : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، ومن أعظم الأسباب في التفقه في الدين والبصيرة حضور حلقات العلم والحرص عليها، ولو بعدت، ولو احتجت إلى سفر، كان المسلمون في العهد الأول يسافر أحدهم المسافات الطويلة في طلب العلم في عهد الصحابة ومن بعدهم يسافرون من بلاد إلى بلاد، ومن إقليم إلى إقليم، المسافات الطويلة بعضهم على الأقدام ليس عنده الراحلة من المغرب إلى المشرق، ومن المشرق إلى المغرب، من الشام إلى مكة، ومن مكة إلى الشام وإلى مصر وإلى غير ذلك، يطلبون العلم يتفقهون في دين الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة هذا وعد عظيم، فأنت إذا خرجت من شمال الرياض أو جنوب الرياض أو من الخرج أو من الحوطة أو غير ذلك قاصدًا هذه الحلقة أو حلقة أخرى عند عالم من علماء المسلمين تريد العلم فأنت في طريق الجنة، أنت تمشي في طريق الجنة ولو جئت من الحجاز أو من الشام أو من أي مكان إلى حلقة من حلقات العلم الشرعي عند عالم يطمئن إليه ويوثق به تريد العلم من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وفي الحديث الآخر: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وأعظم من ذلك قوله ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، هذا يدلنا على أن المعرض الغافل قد سلك طريقًا آخر، وأن الله ما أراد به خيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.