وأما ما يتعلق بالمسجد النبوي من جهة دخول الكفرة إلى المدينة فقد بين العلماء أن المدينة ليست من جنس مكة؛ لأن الرسول ﷺ أقر فيها وفود الكفرة ولم يمنعهم من دخولها، والله جل وعلا إنما نص على المسجد الحرام، فقال: فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، والنبي ﷺ قال: إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فهو حرمها كما حرم إبراهيم مكة من جهة عدم قطع الشجر وعدم الصيد وتنفيره ونحو ذلك، أما ما يتعلق باستقدام الكفرة فهو غير داخل في ذلك، فالمدينة يجوز ذلك عند الحاجة إلى استقدامهم، ولكن لا يقرون، كان التجار يقدمونها لبيع حاجاتهم ثم يرجعون إلى بلادهم، ولا يقر في الجزيرة كفار، ولو استقدموا للمدينة أو للرياض أو غير ذلك تكون أوقاتًا محدودة يبيعون فيها بضائعهم وحاجاتهم التي جاءوا من أهلها أو وفدوا إليها ثم يرجعون إلى بلادهم، ولا يستقرون في بلادهم، وقد جاء وفد النصارى في سنة تسع من الهجرة أو عشر من الهجرة إلى النبي ﷺ من نجران فأقرهم ﷺ في المسجد، وسمع كلامهم، وتفاوض معهم، ثم رجعوا إلى ديارهم، فدل ذلك على أنه لا يحرم استقدام الكافر إليها إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
كذلك ربط بعض كفار بني حنيفة وهو ثمامة بن أثال ربطه النبي ﷺ في مسجده ﷺ أيامًا، ثم أسلم ، ودخل في دين الله، ووقع من هذه الأشياء وقائع وقصص تدل على أن المدينة ليست مثل مكة في هذه .......، المدينة من جنس مكة في تحريم ما حرمه إبراهيم، إلا أنه استثني من المدينة أشياء قليلة ليست فيها مثل مكة، ومن ذلك ما يتعلق باستقدام الكافر للمصلحة والحاجة التي تدعو إلى ذلك، ثم لا يبقى فيها، ولا في غيرها من بلاد العرب، لكن يبعد إلى بلاده، إذا قدم رسولًا من الكفرة إلى ولي الأمر إلى المدينة أو في الرياض أو في نحو ذلك أقر بقدر المدة التي جاء من أجلها، وهكذا إذا قدم لبيع بضاعة يبيعها على الناس ثم يرجع إلى بلاده، وما أشبه ذلك من الاستقدامات القليلة التي لا يستقر معها، بل يرجع، والله تعالى أعلم، نسأل الله لنا ولكم العافية.