فلا سبيل إلى النجاة والسعادة والحفاظ على دينكم أيها المؤمنون إلا بإقبالك على كتاب الله القرآن العظيم تدبرًا، وتعقلًا، وإكثارًا من تلاوته، وعملًا بذلك، وعلى سنة رسول الله ﷺ من تدبر لها، والمذاكرة فيها، والعناية بها، وسؤال أهل العلم عما أشكل من ذلك حتى تستقيم على أمر الله، حتى تحافظ على ما أوجب الله، حتى تنتهي عن محارم الله، حتى تقف عند حدود الله، حتى ترضى بما شرع الله، وحتى تكره ما نهاك الله عنه، هذا هو الطريق للنجاة والسعادة، وهذا هو الموافق لقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، أنت تقرأ هذا كل يوم، هذه الآية تقرأها كل يوم مرات كثيرات، تقرأها في الفجر مرتين في الفريضة، وفي الظهر أربع، وفي العصر أربع، وفي المغرب ثلاث، وفي العشاء أربع، سبعة عشر مرة في الفريضة، تقرأها في النافلة مرات، تقرأها خارج الصلاة مرات، هذه الآية لها شأن اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ تقول لربك: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ما هو صراطه؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] من هم؟ الرسل وأتباعهم هم المنعم عليهم، قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، هؤلاء هم المنعم عليهم الذين أنت تطلب طريقهم، تسأل ربك أن يهديك صراطهم، صراط هؤلاء، لكن تقول الدعاء وأنت ما تعقل هذا الدعاء، لا بد تعقل هذا الدعاء، لا بد أن تعرف ما معنى هذا الدعاء، اهْدِنَا الصِّرَاطَ تسأل ربك وأنت قائم في الصلاة في النافلة والفرض اهْدِنَا الصِّرَاطَ يعني: اهدنا يا ربنا، تقول لربك الذي فوق السماوات وفوق العرش سبحانه وتعالى تقول له وأنت واقف في الصلاة: اهْدِنَا، اصدق في طلب هذا الخير، تقوله وأنت صادق وأنت عارف بمرادك، اطلب هذا الخير بصدق، ثم اعمل على تحصيله في خارج الصلاة في أيامك ولياليك.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ والصراط: الطريق الواضح، فهو صراط الذين أنعم عليهم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، يعني اهدنا الطريق الذي سلكه المنعم عليهم، سلكه الرسل وأتباعهم، وجنبنا طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين من المغضوب عليهم اليهود وأشباههم، والضالون النصارى وأشباههم، قال النبي ﷺ: اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون، فأنت تطلب من ربك أن يهديك طريق المنعم عليهم، وهو الصراط المستقيم الواضح، وهو طاعة الله ورسوله والإيمان بالله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، هذا الصراط المستقيم، ثم تقول بعد ذلك: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ تفسير وإيضاح بينه الله جل وعلا، يقول لك ربك الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم، هو صراط المنعم عليهم، وهم أهل العلم والعمل الذين عرفوا الحق وعملوا به، وهم الرسل وأتباعهم، هؤلاء هم المنعم عليهم، عرفوا الحق بأدلته، وعملوا به، ودانوا به، واستقاموا عليه، هؤلاء هم المنعم عليهم، وهم أهل الصراط الذي تطلب الهداية إليه كما قال الله في حقهم: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] بينهم سبحانه، هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، ثم قال لك: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يعني غير صراط المغضوب عليهم، ما نريد صراط المغضوب عليهم وهم أهل العلم بلا عمل وهم اليهود، يعلمون ولا يعملون، وهكذا أشباههم ما هو خاص باليهود، هكذا أشباههم من جميع الكفرة وعلماء السوء داخلون في هذا، حتى قريش حتى قالت قريش وقالت الكفار الآخرين هم يعرفون الحق ولكن يعصون على بصيرة، حتى قالت قريش كأبو جهل وأشباهه وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وغيرهم من الكفرة يعرفون أن محمدًا على الحق، ولكن أبوا لتعظيم الآباء والأسلاف، ولتعظيم مآكلهم ورياساتهم، حتى لا يتأخروا عنها، حتى لا يكونوا أتباعًا يدل على هذا قوله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33] يعني في الباطن، لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، فهم لا يكذبونه بالباطن، ولكن يجحدونها في الظاهر، هم يعرفون أنه محق، وأنه الأمين، وأنه الصادق، وأنه ما جاء إلا بالحق، وقد عرفوا من اليهود أنه يبعث نبي في آخر الزمان وأن دينه يظهر، ولكن لما رأوا أنهم إذا تابعوه قال الناس عن آبائهم: إن آباءهم كانوا ضالين، كانوا يعبدون الأوثان، وذهبت عنهم بعض مآكلهم ورياساتهم، وصاروا أتباعًا، أبوا إلا أن يعاندوا، نسأل الله العافية، حتى قتلوا على عنادهم، قتلوا يوم بدر، وفي غير ذلك على عنادهم وضلالهم، ثم هدى الله من هدى بعد ذلك.
فالمقصود أن رؤساء الكفر وقادة الكفر من اليهود والنصارى والعرب كانوا يعرفون أنهم مبطلون، وأن محمدًا على الحق، ولكن حملهم البغي والحسد والضلال الذي في قلوبهم والحقد وحب الدنيا والرياسة وتعظيم أسلافهم حملهم على الشر، وما معهم من الشر الآخر حملهم على باطلهم والعناد والمكابرة والتكبر عن اتباع الحق، نسأل الله العافية.
فأنت سل ربك الذي هداك للإسلام سل ربك واشكره على هذه النعمة، واسأله الثبات، كانت عندهم عقول أعظم من عقلك كانت لهم عقول ولكنها سلبت سلبهم الله إياها، وضلوا عن سواء السبيل، نعوذ بالله، كانوا كبارًا معظمين وضلوا عن سواء السبيل، والله يقول: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] يعني: غير صراط المغضوب عليهم لا تهدنا لها، ولا توقعنا فيه يا ربنا، وهم الذين عرفوا الحق ولكن حادوا عنه، عرفوه كما يعرفوا أبناءهم ولكن حادوا عن الحق بغيًا وحسدًا، كاليهود وعلماء السوء وقادة الكفرة وغيرهم ممن عرف الحق ثم كابر.
وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] يعني: ولا صراط الضالين ما نبيه جنبنا صراط الضالين، فالضالون هم كل من جهل الحق وسار على الباطل، والنصارى، وسائر الضالين، والكافرين الذين ما عندهم علم أتباع كل ناعق، والقادة عرفوا الحق والأتباع كالبهائم يتبعون ملايين كالبهائم تتبع رؤساءها في الباطل وغير الباطل.
وعليك أيها المسلم أن تعرف هذا المعنى العظيم، وأن تقبل على كتاب ربك، وسنة نبيك ﷺ، وأن تفقه في ذل،ك وأن تحضر حلقات العلم، ودروس العلم، وندوات العلم، حتى تستفيد، وأن تسأل عما أشكل عليك بالمكاتبة بالمشافهة بمطالعة الكتب المفيدة المعروفة لأهل السنة والجماعة لأهل الحق حتى يشفى ما في قلبك من الحاجة إلى العلم، وحتى يزول عنك ما قد يكون لديك من جهل وشك.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.