وقد كتب الناس في هذا لما حدثت البدعة كتب فيها الناس، وممن كتب فيها أبو العباس ابن تيمية رحمة الله عليه شيخ الإسلام ابن تيمية كتب فيها في اقتضاء الصراط المستقيم، وبين أنها بدعة، وأن فعل الناس لها أو دعواهم محبة الرسول لا يجعلها سنة ولا يبررها، فإن حب الرسول ﷺ لا يكون بالبدع، حب الرسول يكون باتباعه، والسير على منهاجه، وتعظيم أمره ونهيه، والدعوة إلى سنته، والرد على من أنكرها، هكذا يكون حب الرسول ﷺ، كما أن حب الله يكون باتباع الرسول ﷺ لا بالدعاوى الطويلة العريضة، يقول سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
فالذي يدعي أنه يحب الله ورسوله عليه أن يعبد الله وحده، وعليه أن يعظم الرسول ﷺ باتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وفي المسارعة إلى ما أمر به وفي البعد عما نهى عنه، في الوقوف عند حدوده، هذه هي المحبة، هذه المحبة الصحيحة، أما بالبدع والمعاصي لا، فالبدعة معصية أكبر من الكبائر يقول أهل العلم: إن البدعة أكبر من الكبائر، وهي في مرتبة بعد الشرك، أعظم الذنوب الشرك، ثم البدعة، ثم كبائر الذنوب من الزنا والسرقة ونحو ذلك، ثم الصغائر، فالمراتب مراتب المنهيات أربع: المرتبة الأولى الشرك بالله وهو أعظم الذنوب، ثم يليه مرتبة البدعة؛ لأنها أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن صاحبها لا يتوب منها، يرى أنها حق، يراها هدى، أما صاحب المعصية فقد يتوب وقد يقلع وقد ينتبه، ولهذا الشيطان يدعو إلى البدعة أكثر ويهتم بها أكثر؛ لأنها زيادة في الدين، ولأنها لا يتوب أهلها، نعوذ بالله يرون أنهم على حق، ثم يليها كبائر الذنوب، ثم صغائر الذنوب.
فالواجب على أهل العلم والإيمان وعلى أهل الإسلام أن يحذروا البدع كلها كما قال النبي ﷺ: إياكم ومحدثات الأمور، ويقول ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا يعني الإسلام ما ليس منه فهو رد، يعني فهو مردود على من أحدثه، ولما أحدث اليهود والنصارى في دينهم ضيعوا دينهم واختلط عليهم دينهم وضيعوا التوراة والإنجيل ثم صارت الحال إلى أن كفروا بمحمد ﷺ وأنكروا دينه، واليهود كفرت بعيسى وأنكرت عيسى، ثم ادعوا ما ادعوا من قولهم: إن عزير ابن الله، وفعلوا ما فعلوا من التبديل والتغيير في التوراة، وعصى الكثير منهم نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن البدع والتغييرات تفضي إلى فساد كبير، وإلى اختلاف الدين، وإلى نبذ الكتاب وراء الظهر، وإلى انقسام الناس انقسامات كثيرة في الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم الشاطبي رحمه الله بعد شيخ الإسلام نبه على هذه البدعة وأنكرها وبينها وأنها من البدع المحدثات ويجب إنكارها والحذر منها، وكتب في هذا غير هؤلاء، وممن كتب في هذا شيخنا الكبير العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه كتب في هذا رسالة رادًا بها على من حسن هذه البدعة، وبين وجوه بطلان هذه البدعة، وأنها مما أحدثه الناس، وأن الواجب تركها، وقد كتبت في هذا منذ سنوات رسالة مختصرة في هذا وكانت تطبع بين سنة وأخرى في مثل هذا الوقت، ثم ضممت إليها بعض الكتابات في البدع، وطبعت أيضًا باسم التحذير من البدع وهي توزع في مستودع الكتب هنا في الرياض، لبيان الحق لطالبه في بيان بدعة المولد، وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وبدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وفيها أيضًا تكذيب الوصية التي يزعمها خادم الحجرة النبوية، ويقول إنه يقع كذا وأنه رأى النبي وأنه قال يقع كذا وأوصاني بكذا وكذا، بينا فيها أن هذه الوصية كاذبة، وأن قائلها كذاب، وأنه لا حقيقة لها ولا صحة لها، وهي توزع بين الناس في الرياض وفي غير الرياض.
والمقصود أن هذا شيء بحمد الله قد عرفه أهل العلم السابقون قبلنا وبينوا حكمه في الشرع والحجة في ذلك ما سمعتم من قول النبي ﷺ: إياكم ومحدثات الأمور، وقوله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، وقوله في خطبة الجمعة: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، إلى غير هذا مما قاله النبي ﷺ، والله يقول في كتابه العظيم: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فذم من شرع ما لم يأذن به الله، وقال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فالبدع معناها أن هناك نقصًا في الدين يتلافى بهذه البدع، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال الله سبحانه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18]، فالله أخبر نبيه أنه على شريعة واضحة وأحكام واضحة وأمره باتباعها عليه الصلاة والسلام أمره بلزومها واتباعها وحذره من اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقال: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الجاثية:19]، فلا يجوز لأهل الإسلام أهواء من جهل ولا من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله، والواجب اتباع كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.
وقد وقع منذ زمن قريب أن ألف بعض المنسوبين للعلم كتابًا وذكر فيه بدعة المولد، وهو المعروف بمحمد علوي المالكي المعروف في مكة المكرمة، واتصلنا به واجتمعنا به أنا وسماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمة الله عليه، وبعض العلماء واجتمعنا به في الطائف منذ سنتين ونصحناه ووجهناه لما يجب، وقلنا له إنك مسؤول وأنت ممن يتأسى به وينسب لأهل العلم، فالواجب عليك تقوى الله وإظهار الحق، وترك هذه البدعة مع بدع أخرى ذكرها في كتابه الذخائر المحمدية، ذكر فيها أشياء شركية غير البدعة فوق البدعة، ذكر أشياء من الشرك أيضًا وبينا له بطلان هذه الأشياء ووافق على ذلك، وقال: أنا أستغفر الله، وسوف أعلنها وسأبين في الصحف والإذاعة وأرجع عما قلته من الباطل، ثم - هداه الله- أصر على ذلك، ولم يعلن شيئًا، ونسأل الله له الهداية. ثم كتب في آخر السنة الماضية أربعمائة واثنين كتب رسالة أيضا في المولد وحبذ فيها المولد والاحتفال به ودعا إليه، وهذا أيضًا من الأخطاء التي جدت منه هداه الله، وقد رد عليه بعض إخواننا، ورده يطبع الآن أخونا الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجري رد عليه وقد قرأت رده وكتبت عليه تصويبًا لما قال، وهو يطبع وينشر قريبًا إن شاء الله، كذلك رد عليه أيضًا أخونا الشيخ العلامة عبدالله بن حصين المنيع أحد أعضاء هيئة كبار العلماء رد عليه في كتابه الأخير وبين غلطه وشبهاته وبين أخطاءه وسوف يطبع قريبًا إن شاء الله وينشر، وهناك ردود أخرى نسأل الله للجميع التوفيق.
فالمقصود أن الواجب إظهار الحق هذا الواجب وإنكار الباطل، ومن أصر على باطله يجب أن يؤخذ على يديه، وأن يمنع من إظهار باطله، لا في الإذاعة، ولا في المساجد، ولا في غير ذلك، حتى يدحر الباطل، وحتى يقوم الحق وينصر الحق، ولو كان ممن ينسب إلى العلم إذا ظهر خطؤه وأغلاطه وجب أن يمنع وجب أن يوقف عند حده، حتى لا ينشر البدع والشرور التي لا يجوز نشرها ولا إظهارها، فنسأل الله لنا ولكل من وقع في الباطل الهداية، نسأل الله لنا ولهم الهداية والرجوع إلى الصواب.