في موضوع تحديد النسل وتنظيم النسل قد درس هذا الموضوع في هيئة كبار العلماء في دورة سبق وصدر فيه قرار من المجلس في هذا الموضوع؛ لأنه موضوع خطير، وقد بلي به الناس، فالأصل المنع، الأصل أنه لا ينبغي للزوج ولا للزوجة أن يتعاطيا ما يمنع الحبل، بل ينبغي لهما أن يتساعدا على وجود الحبل، يعني: الحمل، لما في ذلك من الخير، ولقوله ﷺ: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة وفي رواية: الأنبياء يوم القيامة، فهذا يدل على أن كثرة الأمة وإيجاد الأسباب في تكثير الأمة وتكثير الناس أمر مطلوب، مع العناية بسلامة الأطفال، وتربيتهم التربية الصالحة، لا يمنع هذا هذا، فتكثير النسل مطلوب، وكذلك العناية بالأولاد وتربيتهم التربية المطلوبة الصالحة أمر مهم.
وصدر في القرار المنع من تعاطي المرأة ما يمنع الحبل من حبوب أو لولب أو غير ذلك، وأنه ينبغي للمرأة والرجل أن يتعاونا على إيجاد النسل، وعلى تكثير النسل لما سبق، ولما علمتم من الفائدة في ذلك الكبيرة، ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة إلى ذلك بطريقة خاصة فلا بأس، ويسمى تنظيمًا عند كثير من الناس، ولا يسمى تحديدًا، أما التحديد فممنوع، لا يجوز لهما أن يحددا ولدين أو ثلاثة أو أربعة، لا يجوز هذا ولا للدولة أيضًا، أي دولة كانت أن تدخل في هذا الموضوع ليس للدول أن يحددوا الحمل، ولا ريب أن أعداءنا يريدون ذلك، أعداء المسلمين كلهم يريدون تقليل المسلمين في كل مكان، يحرصون على أن يحدد النسل حتى تقل الأمة الإسلامية، وحتى يكثر أعداؤها في كل مكان.
ولا ريب أن من مقاصد الإسلام عدم التحديد، وعدم تعاطي أسباب قلة الحمل، أو إعقار المرأة، أو الرجل، كل هذا مطلوب في الشريعة الواجب الحذر منه، وكلما كثرت الأمة واستقام أمرها صار أهيب لها أمام عدوها، وكانت أقرب إلى أن تناول حقوقها، وأن تسلم من مكائد أعدائها، وكلما قلت حصلت الإهانة من العدو لها، والطمع في خيرات بلادها ومصالح بلادها، فإذا دعت الحاجة إلى تنظيم لا تحديد .. أما التحديد فلا لا من الإنسان ومن الدولة، لا يجوز لأي دولة أن تقول: عليك يا فلان وفلان ألا يلد لكما إلا ثلاثة أو أربعة، وأن تكلف من يمنع في الزيادة هذا ظلم وعدوان وشر لا يجوز أبدًا.
وليس للدولة أن تسعى أيضًا في منع المرأة من الحمل أو إلزامها بأن تتعاطى شيئًا من منع الحمل أو إلزام الرجال كل هذا لا يجوز، وإنما شيء واحد يجوز بين الرجل والمرأة إذا تراضيا عليه لأسباب لكون المرأة مثلًا تحمل هذا على هذا من طبيعتها بإذن الله أنها تحمل من حين تخرج من النفاس ويتصل بها تحمل ويضرها ذلك ضررًا بينا ويسبب عدم القيام بالتربية اللازمة فهذا لا بأس أن تتعاطى شيئًا يسمى تنظيمًا، ويسمى تخفيفًا عليها سنة أو سنتين مدة الرضاع للتخفيف والتيسير، كما جاز على الصحيح العزل، كان الرجل يعزل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأسباب يعني يمتنع من إخراج المني في فرج المرأة، وربما يمتنع مدة لا يجامعها لأسباب: إما لسوء حال بينهما، وإما لمقاصد أخرى، فحدد الله لهم أربعة أشهر فقال سبحانه: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:226-227]، فجعل للرجل أربعة أشهر لا بأس عليه أن يمتنع من جماعها لأسباب تقتضي ذلك، ومعلوم أن الامتناع من جماعها أربعة أشهر معناه أن الحمل يتأخر، فإذا توالى هذا الأمر توالى في أوقات كثيرة تأخر الحمل كثيرًا، فهذا فيه نوع من الإذن في هذه المدة، وكذلك الرجل قد يزعل عليها لسوء عشرتها فيحتاج إلى هجرها مرة بعد مرة، ومن جملة الهجر ترك الجماع.
فالحاصل أن التأخير الذي له أسباب وله وجوه شرعية لا بأس به، كذلك إذا كانت المرأة يضرها الحمل ضررًا بينًا بشهادة الأطباء أو الطبيبات الخبيرات في هذا لأن رحمها لا يتحمل توالي الحمل لو نظم لها الحمل لئلا يهلكها الحمل ويضرها الحمل.