فعليك -يا عبدالله- على المسلم والمسلمة الحذر من أنواع الظلم سواء من طريق الربا، فإن ما حرمه الله من الأموال ظلم فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، الظالم وضع الأمور في غير موضعها، فالذي أكل المال بالسرقة أو بالخيانة أو بالغش أو بالرشوة أو بغير هذا فقد وضع تسلم المال واكتساب المال وضعه في غير موضعه، فإن وضع الكسب الحلال هو ما يكون في موضعه الذي أباحه الله، فإذا جاء في غير موضعه وجاء في غير طريقه صار ظلمًا، فأخذ المال بالبيع الشرعي بالهبة الشرعية بالإرث الشرعي كسب حلال؛ لأنه جاء في محله في موضعه، أخذ ذلك بالسرقة بالخيانة بالرشوة بالمعاملة الفاسدة بالنهب والسلب والقوة والغصب هذا جاء في غير موضعه وصار ظلمًا وحرامًا يقود إلى النار، نعوذ بالله، ويجر إلى النار، والظالم قد تعرض لغضب الله وعقابه، فهو قد يكون مرتاح البال والمظلوم مكدر البال تعبان الحال يرفع يديه إلى ربه يدعو على ظالمه، فكيف بحال هذا؟ والرسول ﷺ يقول: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
فالمؤمن يحاسب نفسه دائمًا ويتحرى الحق، ويتباعد عن الباطل والظلم، ويوصي غيره بذلك، يبلغ إخوانه أينما كانوا، يبلغ إخوانه في كل مناسبة، ويبلغ أهله وأولاده، وينذرهم عقاب الله، ويحذرهم من أنواع الظلم، والموظفون ولاسيما الكبار ورؤساء المصالح على خطر عظيم من هذا الظلم من الرشوة يمنع إنسانا حقه وما ينبغي أن يعطى إياه حتى يعطيه مالًا حتى يهدي إليه مالًا فيمنع هذا حقه ويعطي هذا غير حقه بسبب المال، يرفع هذا الموظف بسبب المال، ويبقى الموظف الآخر في محله ما رفع؛ لأنه ما أهدى ولا رشى، يقدم هذا على هذا، ويعطى هذا ويترك هذا، لا لأمر شرعي، ولا لحق، ولكن لكونه قدم هذا شيئًا، وهذا لم يقدم شيئًا، هذه من البلاوي والمحن، نسأل الله العافية، فالواجب أن تكون الأمور على مجراها الشرعي، وأن يعامل الناس المعاملة العادلة التي قال فيها الرب : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].
ومما ذكره المشايخ وتوسعوا فيه أنواع الرشاء، وما ذاك إلى لوجود كثير منها في كل مكان، والبلدان تتفاوت في هذا الشيء، فبعضها أكثر من بعض، وبعض الدول أكثر من بعض المدعين للإسلام والمنتسبين للإسلام، الشيء واقع في كل مكان، ولهذا وسعوا الكلام في ذلك للتحذير والإنذار، والراشي ملعون، والمرتشي ملعون، فكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يكون ملعونًا، واللعنة الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل، والرائش أيضًا قد روي في بعض الروايات أنه ملعون أيضًا، وهو الواسطة بينهما الذي يتوسط بينهما في الرشوة بين هذا وهذا يسير بها ويحملها أو يفاوض فيها، نسأل الله السلامة.
ومن ذلك هدايا العمال، كونه يبعث على الزكاة أو على غنيمة أو على بيت المال ثم يخون في ذلك، فالغلول أخذ المال بغير حقه من بيت المال، أو من الغنائم، أو من مال اليتيم، أو من الأمانات التي تحت يده، فيخونها ويغل منها ما لا يحل له، وكذلك ما يهدى إليه لكونه عاملًا لكونه أميرًا لكونه قاضيًا هدايا غير معتادة بينه وبين صاحبه، هدايا جديدة جاءته بعدما تولى، أما الهدايا القديمة التي بينه وبين قراباته بينهما صداقة بينهما غير متجددة بسبب ولاية الإمارة أو القضاء أو شبه ذلك فهذه بين أهل العلم غير داخلة في هذا، إلا إذا كانت عند حضور خصومة، أو ترتب عليها ظلم فهي داخلة، أما ما دامت الطريقة العادية التي ليس فيها شبهة وليست من أجل وظيفة وليس من أجل حرمان أحد بل شيء جرى بينهما قديمًا قبل أن يتولى هذا الأمير أو هذا القاضي أو هذا المنصب الآخر فالأشياء القديمة العادية التي ليس فيها توسل إلى ما حرم الله ولا إلى ظلم عباد الله بل بينهما جارية قديمة لقرابة ومحبة وصداقة بينهما فهذه غير داخلة، ما يتعلق بالرشوة إلا إذا استعملت من جديد للظلم ولحرمان صاحب الحق وأكل حقه بغير حق، نسأل الله العافية.
ومما نبه عليه المشايخ القرض، والقرض أيضًا يكون فيه شيء من البلاء، وهكذا الديون بقية الديون يكون فيها أيضًا رشوة، ويكون فيها ربًا، فالقرض الذي يشرط فيه الزيادة يشرط فيه النفع هذا محرم عند جميع أهل العلم، كونه يتفق مع صاحبه على هذا الشيء أو يشرط عليه شيء هذا قد اتفق العلماء على منعه وتحريمه، كأن يقول له: أنا أقرضك ذهبًا مائة جنيه ذهب رديء وتعطيني مائة جنيه ذهب طيب أطيب منه، هذا ربا ما صار قرض، صار بيع وشراء صار ربا ومحرم، أو يقول: أنا أعطيك الحنطة هذه أو التمر هذا بشرط أنك تعطيني أطيب منه، ........ أو أنا أعطيك كذا من التمر الدون ويعطيه ....... من أطيب التمر هذا من الربا أيضًا؛ لأنه شرط جر منفعة ولم يعامله ويعطيه القرض ويرفق به إلا من أجل هذا لا من أجل رحمته والإحسان إليه، ولكنها معاملة فيها الربا فيها جر المنفعة بالشرط أو بالاتفاق، ويروى عنه أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو ربا، والحديث وإن كان ضعيفًا لكن معناه عند أهل العلم صحيح، فقد أفتى به جماعة من الصحابة أفتوا بهذا، وقالوا: إذا أقرضت إنسانًا كذا وكذا، أو كان لك عليه دين، فأهدى إليك حبل قت أو تبنًا أو كذا أو كذا فهو ربا، في هذا عن عبد الله بن مسعود، وعن زيد بن ثابت، وعن جماعة، وأجمع عليه المسلمون أن ما كان شرطًا في قرض أو متفق عليه في القرض زيادة في القرض عددًا أو صفة مشروطة أو قد اتفق عليها في القرض فهي من الربا عند الجميع، وهكذا في الدين إذا كان لك دين على زيد وأمهلته -قد حل الدين ولكنك أمهلته- بسبب أنه يعطيك كذا وكذا تمهله معسر تمهله في قضاء دينه لأنه يعطيك علفا لدوابك يعطيك لسيارتك بنزين بعض الأحيان يعطيك كذا يعطيك كذا يهدي إليك أشياء حتى تمهله حتى لا تؤذيه بالمطالبة فهذا من الربا، يعطيك السيارة تستعملها في حاجة لك ........ ما دام الدين عليه حتى لا تشدد عليه في قضاء الدين هذا مثل القرض يجب أن تمهله إمهالًا ليس فيه عوض؛ لأن الله قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة:280].
وكان أهل الجاهلية إذا أعسر صاحب الحق بالدين ضربوا عليه زيادة، ويقولون له عند انتهاء الأجل: إما أن تربي، وإما أن تقضي، معناه: إما أن تزيد في المال، وإما أن تقضيه الآن، فإذا قال: أنا عاجز، قالوا: نزيدك، فإذا كان الدين مثلا ألف يقول: يصير ألف ومائة، أو ألف وخمسين، ونمهلك شهرين، ثلاثة، أربعة، خمسة، وهكذا، فإذا حل طالبوه مرة أخرى، فإن وجد شيئًا وإلا قالوا: نزيد عليك في الأجل، وأنت تزيد في المال، فيعطيهم زيادة أخرى، وهكذا حتى يكون الألف ألفين وثلاثة وأربعة بهذه الزيادات، فالله نهى عن هذا وأبطله، قال : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، يعني: لا يطالب ولا يلزم بما عليه وهو معسر، بل يجب إنظاره وإمهاله، كما قال النبي ﷺ: من سره أن ينفس الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه، ويقول: من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
أما القرض الذي ما فيه شيء أقرضه رفقًا به لصداقة أو محبة أو لله وحده يرجو ما عند الله ولم يشرط عليه شيئًا بل أقرضه هذا مراعاة لحاجته أو طلبًا لمرضات الله فهذا عمل صالح إذا كان لله عمل صالح، وإذا كان لقرابة أو صداقة فهو مباح، بدون شرط المنفعة، بدون شرط أنه يعطيه أزيد أو أجود، هذا كله جائز، فلو أنه أقرضه مثلًا مائة ولما كان عند القضاء أعطاه مائة وخمسين أو مائتين فالصحيح أنه لا حرج في ذلك إذا كان ما هو بشرط ولا اتفاقًا على شيء، فقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يوفي بأكثر مما اقترض عليه الصلاة والسلام من كرم أخلاقه وجود أخلاقه عليه الصلاة والسلام، وقال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء، واقترض مرة بكرًا فجاء صاحب الحق يطلب بكره فقالوا: ما وجدنا إلا رباعيًا قال: أعطوه رباعيًا فإن خيار الناس أحسنهم قضاء، ويروى عنه أنه اقترض أربعين وسقًا من شعير أو غيره فأعطى صاحبه ثمانين عند القضاء فضلًا منه عليه الصلاة والسلام من دون مشارطة ولا اتفاق على زيادة.
والصواب أنه يجوز في العدد والصفة عند القضاء من دون شرط ولا اتفاق على شيء، ولكن من باب الإحسان؛ لأنه أحسن إليه وأقرضه عند الشدة ونفعه فأحب أن يكافئه على ذلك بالزيادة في العدد أو في الصفة من دون شرط ومن دون مواطأة على ذلك، ولهذا قال : خيار الناس أحسنهم قضاء، وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء، فهذا من باب القضاء لا من باب الربا، والربا مثلما سمعتم خطره عظيم وشره كبير، ولهذا قال فيه : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276]، وقال فيه جل وعلا: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279]، فجعل الربا حربًا لله ولرسوله، وهذا أمر عظيم خطير، كون المرابي يحارب الله ورسوله، ومن يقدر على ذلك؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأخبر أنه إذا قام من قبره يقوم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، يعني يقوم مجنونًا أو شبه المجنون، نعوذ بالله، لا عقل له بسبب ما عمل في الدنيا من خبث الربا، نسأل الله العافية، وأخبر أن من جاءه موعظة من ربه فانتهى يعني تاب إلى الله فله ما سلف وأمره إلى الله وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275].