وبين للناس هذا أمر واضح بين يعرفه كل أحد، أرأيت لو أن إنسانًا في بيته عنده أولاد يقول لهم: صلوا، وهو لا يصلي، كيف تكون الحال؟ وهل يقبلون منه؟ وهل يتأثرون؟ أو يقول لهم: لا تدخنوا، هو يدخن، لا تأتوا الدخان، وهم يرونه يدخن، كيف تكون حالهم؟ أو يقول: لا تحلقوا لحاكم، وهو يحلقها، كيف تكون الحال؟ وهكذا الأمير، وهكذا القاضي، وهكذا أشباههم إذا أمروا ونهوا بالشيء وهم يخالفونه لا شك أن تأثيرهم يكون قليلًا جًدا، ويكون انتفاع أولادهم أو جماعتهم بهم قليلًا، لكن إذا كان والدهم يأمرهم بالصلاة في الجماعة ويبادر إلى الجماعة ويجتهد في أن يذهبوا معه تأثروا كثيرًا، وإذا كان لا يدخن فمنعهم من التدخين وقوي بذلك انتفعوا بذلك وتأثروا، وإذا كان يوفر لحيته ويعتني بها وينهاهم عن أخذها وعن حلقها وتقصيرها تأثروا، يعني رأوا قدوة فيه، وهكذا بقية الأمور، والله يقول سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ[البقرة:44] أنكر على بني إسرائيل وعابهم فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[البقرة:44]، يبين لنا كون الإنسان يأمر وينهى ويخالف خلاف العقل وخلاف الدين خلاف المروءة، فضيحة نعوذ بالله، كونه يأمر وينهى ويخالف، أين العقل؟ وأين الإيمان؟ وأين الهدى؟ ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
وسمعتم ما ذكره الشيخان عن شعيب النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ[هود:88]، يعني: ما نهيتكم عن شيء وأنا أريد أخالفكم إليه لا أنا قصدت من نهيي لكم أني أولكم إلى ترك ذلك، وهكذا ما يأمرهم به هو أولهم إلى فعله، وهكذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهكذا المصلحون يأمرون ويسارعون إلى ما يأمرون به، وينهون عن المنكرات ويسابقون إلى تركها، حتى يقتدى بهم، وحتى يتأسى بهم.