فالواجب على المؤمن أن ينكر بيده مع القدرة، ثم اللسان، ثم القلب، وبهذا المعنى جاء الحديث الثاني حديث ابن مسعود يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل رواه مسلم في الصحيح.
فهذا من جنس حديث أبي سعيد، لكن حديث أبي سعيد وضح المراتب وأن اليد أولًا ثم اللسان ثم القلب على حسب الاستطاعة، فأنت -يا أخي- إذا رأيت المنكر فعليك أن تنظر في الأمر وتجتهد، فإن استطعت إنكاره بيدك من غير أن يترتب على ذلك ما هو أنكر وما هو أشر فافعل، وإن خفت أن يترتب عليه منكر مثله تأملت ونظرت أيهما أقل ضررًا فإن كان الموجود أقل ضررًا أبقيته، وإن كان ما تتوهمه أنت أنه يحدث أقل أنكرت الموجود، وإن كانا يستويان أو اشتبه عليك الأمر فدع، أما إن كان ما يترتب على إنكارك يكون أكثر وأشر وأخبث فلا تنكر لأنك في المعنى تنكر شيئًا وتدعو إلى ما هو أنكر منه بفعلك، وبهذا يعلم أن الإنكار والاستطاعة أمر يختلف بحسب اختلاف الناس وقدرهم، وأن القول بأنه فرض على الكفاية أو بالعين كله صحيح لا اختلاف فيه، فرض على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، مثلا أنتم إخوة أربعة في بيت ووجد فيه منكر وجد فيه آلات لهو وجد فيه تصاوير وجد فيه من يشرب الخمر فإذا قام واحد منكم بإنكار المنكر وزال سقط عن الباقين، ما هو كل واحد قام يلزم الجميع أن يقوموا متى قام واحد وحصل به المقصود كفى، فإن ما كفى عنه واحد عاونوه ساعدوه حتى يزول المنكر، شيخ قبيلة أو شيوخ قبيلة عندهم منكر منكر مثلا نكاح البدل ينكحون بالبدل يعني يشترط كل واحد على الآخر أن يزوجه بنته أو أخته يسمون هذا نكاح البدل، وهو جاء في الشريعة باسم نكاح الشغار، فإذا قام أحد شيوخ القبيلة بإنكاره وتعليم الناس أن يدعوه وألزمهم وقضى على ذلك سقط عن بقية الأعيان والشيوخ في القبيلة هذا الإنكار؛ لأنه كفاهم مؤنة ذلك الشيخ الذي هو أكبر أو المماثل أو الموفق الذي بادر بهذا الخير، فإن لم يستطع هذا الشيخ أو هذا الرئيس أو هذا الولد في بيت إنكار هذا المنكر ساعده الباقون، وصار الإنكار عليهم جميعًا فرضًا حتى يزول هذا المنكر، هذا معنى قوله ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، هذا عند عدم وجود من يكفيه، فإن كل واحد يرى المنكر يلزمه أن يفعل، فإذا كان هناك من كفاه وقضى على المنكر الذي رآه هذا الشخص فإن المقصود قد حصل بإزالة المنكر، وصار هذا الذي لم يقم بإزالته قد كفي المؤنة، وصار الأجر لمن باشر ذلك الأمر وقضى الله على يده هذا الأمر الذي هو إزالة المنكر.