وقد نصح أصحاب الفضيلة المجتمع والشباب بأن يتعاونوا على صالح الأعمال، ومن صالح الأعمال الزواج المبكر، فالشباب يحث على الزواج، وتسهل له أسبابه، ويقنع بفساد الأعذار التي قد يبديها، فقد يكون المانع له أمرًا قبيحًا ومنكرًا، فينبغي أن يحث على العفة، والبعد عن أسباب الفواحش، والحذر منها، وأن يوصى بالحرص الشديد على الزواج، وأن يوصى والده وإخوته وأمه وقراباته على المساعدة في ذلك والتعاون، وهكذا الفتيات ينصحهن أبوهن وأمهن وقراباتهن على تزويجهن ولو لم يكمل الدراسة، فبالإمكان أن تتعاون مع زوجها في إكمال الدراسة ولا مانع من قطع الدراسة أيضًا للمصالح الأخرى.
وقد يكون المانع غير الولي كما قال أحد المشايخ، قد يكون المانع من الزواج عوارض أخرى، قد تكون الأم في الطريق تقول: لا تتزوج بنتي إلا بفلان وبفلان ووصفه كذا ووصفه كذا، وقد تكون الجدة، وقد تكون الأخت الكبيرة، قد يكون الجد، وقد يكون من بعض الإخوان، فالموانع كثيرة، وليس مقصورًا على الولي فقط أو على البنت فقط أو على الشاب فقط، الموانع متعدة، فينبغي التواصي بين القرابات والأسر على تذليل العقبات، وعلى المشورة بالنصح، وعلى إقناع الأب إن كان هو المعترض أو البنت أو الأم أو الجدة أو الأخت بما يراه صالحًا.
ومن المصائب العظيمة أنه قد يكون عذر الفتاة أن الزوج صالح ومتدين هذا من البلاء العظيم تريد أن تنكح فاسقًا يعينها على الفسق والمعاصي، وقد يكون المانع من الأم أن هذا الخطيب معاشه قليل تخشى على بنتها من الفقر والحاجة، وهذا من الشيطان ومكائد الشيطان، ومن مكائد أعداء الله دعاة الفساد دعاة الشر.
وقد يكون العذر الرغبة في إكمال الدراسة من الولد أو من البنت، وهذا أيضًا غلط ومن مكائد الشيطان ومن دعاة الشر الذين يدعون إلى الباطل والشر باسم الإصلاح وباسم الخير، فالمنافقون وأشباه المنافقين قد يدعون إلى الفساد باسم الدين أو باسم العلم أو باسم القراءة أو باسم الدراسة، أو يكون جاهلًا يدعو إلى هذا على غير بصيرة وعلى غير علم، وقد يبقى الطالب في الدراسة مدة طويلة، وقد يرسب كثيرًا، وقد ينتقل من الدراسة الجامعية إلى الدراسات العليا فيبقى بضع سنوات، والبنت كذلك، هذا لا يصلح كما بين المشايخ في ندوتهم جزاهم الله خيرًا.
ثم من المهمات شرح المصالح العظيمة التي تنتج عن الزواج والمضار العظيمة التي تنتج عن عدمه، يشرحها الولي، يشرحها الأخ، يشرحها طالب العلم المتصل بهم، يشرحها من له قدرة في الأسرة، يشرح لهم مصالحه العظيمة والمضار الكبيرة في عدم الزواج.
ومن المسائل التي ذكرها المشايخ مسألة المهور ومسألة الولائم والتنافس فيها حتى تكون النتيجة طرح أكثر الطعام واللحوم في القمامات، أو تركها تفسد في محل خاص لا ينتفع منها ولا يستفاد منها، فينبغي للمتزوج وأسرته أن يعنوا بالتسهيل والتيسير ولا يتكلفوا في الوليمة، ولا يتكلفوا في المهر، وقد بلغني عن كثير من الرجال والنساء أنهم يرحبون بالزوج الصالح والشباب الصالح بمهر قليل وبوليمة سهلة ميسرة، كلمني في هذا جم غفير، كلهم يريدون التسهيل للزواج، وليس عندهم مانع من المهر القليل، وليس عندهم مانع من الوليمة القليلة، المهم وجود الشاب الصالح والفتاة الصالحة، فينبغي التواصي بهذا، والحرص على التزويج بما تيسر من المهر، والتواصي بعدم التكلف في الوليمة، وعدم التكلف فيما يتعلق بالفنادق وقصور الأفراح، فإن هذا يضر كثيرًا، والناس من طبيعتهم التنافس، ومن طبيعتهم التأسي بأقاربهم، فإذا رأى قريبه زوج ابنته أو أخته في الفندق أو في قصر غال من الأفراح أحب أن يكون ذلك، ورأى أن من المضرة عليه أن يكون دونه، وهذا من البلاء، ومما ينبغي ذكره أن هيئة كبار العلماء قد قرروا وأصدروا قرارًا بمنع الزواج في الفنادق، ومنع الزواج في قصور الأفراح والقضاء عليها، ورفع هذا القرار إلى ولي الأمر ونرجو أن ينفذ قريبًا إن شاء الله، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، كما أصدروا بيانًا مرات في الحث على تقليل المهور وتسهيل المهور وتسهيل الولائم، وأصدر غيرهم كذلك من النصائح، فنسأل الله أن ينفع بها، ويوفق المسؤولين عن وسائل الإعلام لتكرار إذاعتها، والتكثير من إذاعتها في كل وقت؛ حتى يسمعها من لم يسمعها، وحتى ينتفع بها من لم ينتفع، فإن الشيء متى كرر يكون النفع به أكثر، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، وروي عنه أنه قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وفي لفظ: فساد عريض، فالمؤمن ينبغي أن يعتني بهذا الأمر وألا يكون همه الجمال أو المال، لا مانع من أن تكون جميلة، ولا مانع من أن تكون لها مال وللزوج مال، لكن ليكن المهم الأكبر صلاح الدين في الفتى وفي الفتاة، هذا هو الأهم، يكون الزوج صالحًا والفتاة صالحة، أو على الأقل النقص فيه قليل والنقص فيها قليل، أما الكمال والملاحظة لكل شيء فقد يصعب ذلك، ولكن الحرص على الدين في الطرفين أمر مهم.
ومما ينبغي أن يذكر ويلاحظ أن تقنع الفتاة بالزواج ولو لم تكمل الدراسة سوف يعينها زوجها على ذلك، أو تقطع الدراسة ولا بأس، المهم أن تعلم دينها وأن تعرف ما ينبغي لها وما يجب عليها وما يحرم عليها، وهذا بحمد الله ميسر في الدراسات الأولية والمتوسط والثانوي، وإذا جاء مع هذا الدراسات العليا فهو خير إلى خير.
وكذلك مما ينبغي للفتى كذلك أن يحرص على الزواج والا ينتظر إكمال الدراسة العليا، بل يبادر ويسارع متى تيسر الزواج، وقد سمعتم من بعض المشايخ هنا الآن أن بعض الناس يتعلل بالمال والعجز وليس الأمر كذلك، بل هناك علل أخرى، ومن نعمة الله جل وعلا أن من استدان في المصالح العامة أو في المصلحة الدينية أن الله يسهل أمره ويعينه ويقضي عنه ، قال النبي ﷺ: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه والله يقول جل وعلا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].
حتى قال بعض السلف: إني أتزوج أريد الغنى، فالزواج فيه الغنى، فمن تزوج أعانه الله، ويسر الله أمره، وفتح له أبوابًا كثيرة يعينه الله بها على نفقة الزوجة وعلى أجرة البيت وعلى ما يتبع ذلك، فلا ينبغي له أن يتعلل بهذا، بل ينبغي له أن يحرص على الزواج ولو بالاستدانة ولو بالقرض وسوف يقضي الله جل وعلا عنه، كما في الحديث الذي سمعتم: ثلاثة حق على الله عونهم منهم الناكح يريد العفاف، فمن تزوج والله يعلم من قصده الرغبة في العفاف والبعد عن أسباب الشر فالله جل وعلا يسهل أمره، ويعينه سبحانه وتعالى، ويفتح له أبوابًا كثيرة لا تخطر على باله في قضاء دينه، وتسهيل أموره.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.