مداراة شرار الناس

مسألة ثالثة أمر ثالث ذكر بعض أعضاء الندوة الشيخ سعود حديث: "إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم" هذا الأثر ليس عن النبي ﷺ ولكنه محفوظ من حديث أبي الدرداء ذكره البخاري رحمه الله في ترجمة أبي الدرداء في مناقب الصحابة، قال أبو الدرداء وهو من الأنصار: "إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"، قال العلماء: معنى ذلك إنه ليتبسم في وجوه أقوام وهو يبغضهم في الله لكن خوفًا من شرهم؛ لأنهم أمراء، أو لأن لهم شوكة يخشى شرهم، فيقابلهم بالتبسم أو بغير عنف وبغير اكفهرار خوفًا من شرهم وضررهم عليه وعلى المسلمين وهو في قلبه يبغضهم في الله ، هذا من باب التقية إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28].

وكون الإنسان قد يكشر في وجوه أقوام أو يتبسم أو يضحك وهو عدو لهم وبغيض لهم دفعًا لشرهم وحذرًا من مكائدهم لا حبًا لهم ولا رغبة فيما عندهم هذا هو المعفو عنه، ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله ﷺ فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، أو بئس ابن العشيرة فلما دخل انبسط إليه عليه الصلاة والسلام، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله قلت: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، أو بئس ابن العشيرة لما دخل انبسطت إليه فقال: يا عائشة إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره، فإذا كان من الكبار والرؤساء فقد يحصل من عدم الانبساط إليه ومن الاكفهرار قد يحصل شر، والحاجة ماسة إلى دعوته إلى الخير، وإلى انبساطه له، لعله يسلم لعله يستقيم لعله يدع شره عن الناس، فإذا تركه الناس اتقاء شره كان هذا من باب المصلحة من باب الدعوة إلى الله.

وهكذا عبد الله بن أبي بن سلول في المدينة كان رأس المنافقين والنبي ﷺ يعرف ذلك أنه رأس المنافقين، وله كلمات تروى عنه خبيثة، ولكن لما كان رأسًا وكان معظمًا في الأنصار وقد كادوا أن يملكوه عليه قبل الهجرة كادوا أن يملكوه على المدينة ملكًا عليهم فلما أتى الله بالنبي ﷺ وهاجر إليهم بطل هذا الأمر وفقد ما قد وعدوه به حنق على ذلك وشرق بالدين وضاق صدره بذلك؛ لأنه حرم بالهجرة ما وعدوه به من تمليكه عليهم وتتويجه، فلم يزل والعياذ بالله منافقًا خبيثًا حتى مات في آخر الهجرة، والنبي ﷺ كان يتلطف به ويجامله ويداريه بعض المداراة اتقاء شره على المسلمين ولئلا يقع في العنف عليه أو قتله أو إخراجه فساد كبير على المسلمين، ولما قالوا له: ألا تقتله؟ قال: إني أكره أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، فكره أن يقتله أو يسجنه أو ينفيه إلى المدينة لئلا يرتد بسببه أقوام من أصحابه وجماعته؛ لأنهم يعظمونه ويرون له قدره، وهو قد تظاهر بالإسلام وادعى الإسلام، ويصلي مع الناس، لكن في قلبه مرض، في قلبه نفاق حتى مات على نفاقه، نعوذ بالله، فهذا معناه أنه يجوز مراعاة الكبار والرؤساء بعض الانبساط وبعض التسامح في بعض الأمور إذا كانت الغلظة عليهم أو كان قتلهم أو كان سجنهم يترتب عليه شرور على المسلمين وضرر على المسلمين، وهذا من باب ارتكاب أدنى المفسدتين بتفويت كبراهما، ومن باب تحصيل أعلى المصلحتين أو أعلى المصالح وإن فاتت الدنيا.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا للعلم النافع والعمل الصالح.