وأما النفقات فقد سمعتم تفصيلها وما بينه الشيخان في ذلك، والحق والعدالة في مسألة الأقارب أنها واجبة مع القدرة من الفضل، ولا تقرير بالميراث كما وضحه لكم الشيخ صالح، هذا هو أعدل الأقوال أن النفقة للأقارب مع الغنى والسعة فرض للقريب المحتاج العاجز، وأما قوله جل وعلا: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] فهذا ليس في النفقة على الصحيح، وإنما هو في دفع المضرة ليس له أن يضار لا الوالد ولا الوارث جميعًا؛ لأن الله قال سبحانه: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] يعني على الوارث ألا يضار مثل ما أن الأب ليس له المضارة ما هو معناه الإرث هذا هو الصواب، ولهذا لم يقع في الأحاديث الصحيحة اشتراط الإرث في الصدقة على الأقارب والنفقة على الأقارب، بل النبي ﷺ أوصى بالأقارب وحث على النفقة على الأقارب، وهكذا في القرآن حث على النفقة مطلقًا، فالأقارب المحتاجون ينفق عليهم من دون شرط الإرث، فلو كان له أخ وله أولاد فهو لا يرثه لأجل أولاده البنين، ولكن إذا كان فقيرًا وأولاده فقراء وأخوه مؤسر وعنده فضل وجب عليه أن ينفق هذا من صلة الرحم، والله جل وعلا أمر بصلة الرحم وتوعد من قطع الرحم قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة قاطع رحم، فالقطيعة من كبائر الذنوب، وهل أشد من أن يراه فقيرًا عاجزًا ولا ينفق عليه، أي قطيعة فوق هذه القطيعة أن يرى أخاه أو عمه أو أباه أو أمه فقراء ضعفاء عاجزين وعنده مال وعنده سعة وعنده فضل ولا ينفق عليهم هذا من أكبر القطيعة ومن أظهر القطيعة، ولهذا لما سئل المصطفى عليه الصلاة والسلام قيل: يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب، فجعلهم بعد الأب والأم ينفق عليهم، الأقرب فالأقرب ولم يقل إذا كنت وارثًا لهم، وقال لما سأله آخر قيل: يا رسول الله! أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك ثم أدناك فأدناك، جاء في هذا عدة أحاديث عنه عليه الصلاة والسلام تدل على وجوب النفقة على الوالدين والقرابات والأولاد الأقرب فالأقرب والزوجة والخادم نفقاتهم معلومة معاوضة، فعلى الزوج أن ينفق على زوجته إذا كانت في طاعته، وهكذا الخادم عليه ينفق عليه، أو يبيعه، إما ينفق ويقوم بالواجب وإلا يبيعه حتى يجد من ينفق عليه.
فالمقصود أن الأقارب لهم حق مع السعة مع قدرة المنفق فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ[الطلاق:7]، هذا كله مع القدرة، والأب وإن كان مثل ما قال الرسول ﷺ: «أنت ومالك لأبيك»، لكن الأم مقدمة عليه، الولد عند السعة عند وجود ما يغني الولد ليس له أن يأخذ ماله كله هذا لفظ مقيد، واللفظ الآخر: إن أطيب ما أخذتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم، فالأب له الأخذ من مال ولده بشرط ألا يضره؛ لأن النبي قال: لا ضرر ولا ضرار فهو ماله لأبيه بشرط أن يبقى للولد ما يقوم بحاجته ويغنيه عن السؤال، فيؤخذ من ماله ما يحتاجه الوالد وما يريده الوالد بشرط ألا يضر ولده ولا يضر زوجة ولده وعائلة ولده، فهذا أمر معلوم من قواعد الشريعة، فإذا دعت الحاجة إلى البداءة بأحدهما فالواجب البداءة بالأم؛ لأن تعبها على الولد وقيامها بالإحسان إليه، وصبرها عليه حملًا ورضاعًا، وبعد ذلك شيء كبير فوق الأب، ولهذا قدمها الرب جل وعلا وقدمها الرسول ﷺ في هذا المقام.
ثم النفقات بعد ذلك المؤمن يتحرى فيها الخير، ويتحرى الأنسب فالأنسب، فالقريب التقي المؤمن غير القريب الفاجر، فيلاحظ هذه المسائل، ويحرص على البداءة بالأقرب فالأقرب من الأخيار والصلحاء قبل الفجار والأشقياء الذين عندهم من الفساد ما عندهم حتى يستعينوا بالمال على المعاصي.