وبنوا جنسك من البشر في حاجة إلى دعوتك -أيها المسلم- في حاجة إلى أن ترشدهم؛ لأنه في غفلة، وفي ضلال، وفي بعد عن الهدى، ما بين يهودي أو نصراني أو وثني أو شيوعي أو غير ذلك في غفلة وصدود وإعراض، فإذا منّ الله عليك باللقاء بعضهم في بلادك أو في غير بلادك وأنت من أهل العلم فمن الواجب عليك أن تدعو إلى الله، وأن ترشد إليه، وأن تتلو على أولئك ما تعلم من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يكون ذلك بلسانهم ولغتهم إذا كنت تعرفها، أو بواسطة ترجمة مترجم يطلب المترجم الذي يعرف لغتهم حتى يترجم لهم ما تقول لهم وما توجههم إليه، والله يقول : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، ما أحد أحسن قولًا من هؤلاء، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أحسن الناس قولًا وهم أئمة الهدى عليه الصلاة والسلام وهم دعاة الحق، ثم بعدهم أتباع من علماء المسلمين الذين يقولون ويعملون ويدعون إلى الله على بصيرة هم أتباع الرسل هم أفضل الناس بعد الأنبياء، فعليهم أن يقوموا بهذه المهمة، من الدعوة إلى الله ، وإرشاد الناس إلى الهدى، وإعلامهم بما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، وأن هذه الدنيا ليست دار نعيم، وليست دار إقامة وخلد، ولكنها دار ابتلاء وامتحان، ودار عمل ودار نقلة إلى الآخرة، فعلى المسلم أن يشكر الله على ما أعطاه، وعلى ما منّ به عليه، والشكر يكون بالعمل لا بمجرد القول قال سبحانه: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وقال سبحانه: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، وقال النبي ﷺ: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
فالمطلوب صلاح القلب وصلاح العمل ليس المال ولا الزينة الظاهرة ولا البدن، المقصود صلاح قلبك، وصلاح عملك، فإذا أصلح الله قلبك وعملك ولو كنت فقيرًا ولو كنت فقيرًا مريضًا، وإذا فسد القلب والعمل فلا قيمة لدنياك ولا لبدنك ولو كنت أقوى الناس وأشجع الناس وأكثر الناس مالًا، فإنه وبال عليك، ثم إذا من الله عليك بهذا العلم وبالتقوى والإيمان، فمن نعمة الله عليك ومن الواجب عليك أن ترشد غيرك قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، من الإيمان التواصي بالحق، والدعوة إلى الله عز وجل، والتواصي بالصبر على ذلك.
ويقول سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فلا بد من هذا، والآن جاؤوا إلينا في بلادنا جاء الكفار إلى بلادنا ما بين عمال وخدام وسائقين وغير ذلك وهم في حاجة إلى الدعوة، والآن بحمد الله عز وجل في كل يوم إلا ما قل جماعة يسلمون في كل يوم عندنا، وفي المحاكم جماعات، في كل بلد في جدة في الرياض في تبوك في أبها في الحائل في القصيم في كل مكان جموع يسلمون، من الفلبين من كوريا من اليابان من أمريكا من أوروبا من كل مكان على تقصير المسلمين على هذا التقصير مع هذا يسلمون يشاهدون من المسلمين هنا ولله الحمد، والمملكة يشاهدون الخير الكثير والصلوات والذكر والبعد عن المحارم ونزاهة الكثير من المجتمعات في بلادنا، وإن كان هناك شر كثير ولكنه دون الشر الذي عندهم، عندهم شر عظيم، فرأوا عندنا خيرًا كثيرًا وإن كان هناك شر كثير ولكنه ليس كالشر الذي عندهم، بل عندهم من الشر ما لا يحصى ولا يعد في كل مكان، فتأثروا بالمسلمين وتأثروا بالدعوة إلى الله، ولا سيما في القرى، فإن المدن شرها أكثر، والقرى خيرها أكثر، هم يتأثرون بما يشاهدون من بعض المسلمين من الأمانة والخير والذكر والمحافظة على الصلوات وعدم ظلمهم وعدم العدوان عليهم وعدم بخسهم حقوقهم يعطونهم حقوقهم كاملة ويرحمونهم ويعطفون عليهم ويعلمونهم ويرشدونهم هذه من نعم الله العظيمة، والواجب أكثر الواجب على أهل الإسلام أكثر من الرحمة والعطف والإحسان إلى هؤلاء وتعليمهم وإرشادهم وإنصافهم، فالواجب على المسلمين أينما كانوا أن يرحموا هؤلاء الذين جاؤوا إليهم من بلاد بعيدة لحاجتهم وفقرهم يعملون ويكدحون يريدون شيئًا من المال لأنفسهم ولأهاليهم، وهذا المال الذي جاؤوا من أجله قد يكون سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخرة، قد يكون سببًا لنجاتهم من النار بأسبابكم -أيها الأخوة- وأشباهكم وأمثالكم في سائر هذه المملكة وفي بلاد الله الأخرى في إفريقيا وغيرها، فالدعاة إلى الله عز وجل لهم خير عظيم في إفريقيا وفي أوروبا وفي أمريكا وفي اليابان وفي كوريا وفي كل مكان، الدعاة إلى الله المنتشرون، الذين تخرجوا من الجامعات هنا من الجامعة الإسلامية في المدينة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة أم القرى وجامعة الملك عبد العزيز وجامعات أخرى خارجة فيها خير كثير، تأثروا بالحق ودعوا إلى الله عز وجل، وأرشدوا الناس إلى توحيد الله، فنفع الله بهم نفعا كبيرًا، وصلت لهم اتحادات وجمعيات في كل مكان ولاسيما في أفريقيا حصل به خير عظيم، ولا تزال الحاجة عظيمة، لا تزال حاجة الناس إلى الدعوة والدعاة لا تزال شديدة في كل مكان، في أفريقيا وفي أوروبا وفي أمريكا، بل عندنا أيضًا، وفي بلادنا المسلمون في حاجة إلى من يبصرهم ويرشدهم ويذكرهم بالله ويعينهم على طاعة الله ، والله يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، ويقول: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21].
فالمسلمون في حاجة إلى التذكير هم أنفسهم في حاجة لكثرة الجهل والجفاء، والإعراض في كثير منهم، والغفلة، ولما أصابهم من المخالطة للكفرة حتى تأثروا بالكفرة وبأعمالهم الخبيثة، ولما جرى من سفر بعض الناس إلى بلاد الكفر حتى تأثروا بذلك، ثم جاءوا بعد ذلك، فهذه مصائب ابتلي بها المسلمون من المخالطة للكفرة والتأثر بأخلاقهم في الداخل والخارج، فوجب على أهل العلم والإيمان وعلى كل من عنده خير أن يشارك في الدعوة إلى الله، وأن يحرص على دعوة الناس إلى الخير، وأن يبدأ بأهل بيته ومن حوله في التوجيه والإرشاد، وأن يحرص على بذل النصيحة بالكلام الطيب والرفق، والجدال بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة، وعدم العنف والشدة، يقول سبحانه في قصة موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، ويقول عن نبيه محمد ﷺ: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] أي بسبب رحمة من الله لنت لهم، أي: صرت لينًا، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، أي: لهربوا وذهبوا من حولك، فاللين في الدعوة إلى الله وكذلك العناية بالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن والمساعدة بالمال للفقير منهم والإحسان إليه كل هذه من أسباب قبل الحق.