وقد سمعتم شيئًا مما ذكره الشيخان مما يفعله بعض الناس من تلقين الميت بعد الموت، يقف عند القبر ويقول: يا فلان ابن فلانة، يدعوه بأمه، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إمامًا، هذا شيء لم يثبت، ولا أصل له، والأحاديث في هذا كلها غير صحيحة، وإنما المشروع التلقين قبل الموت، قبل أن يموت يلقن لا إله إلا الله قبل أن يموت، أما بعد الموت انقطع عمله ما له حيلة ماله إلا ما قدم، بعد الموت ما ينفعه أن يقول له: اذكر واذكر، ليس الأمر بيده، إن ثبته الله أجاب بالجواب الصحيح، وإن كان ضيع في الدنيا أجاب بالجواب السيئ، المقام مقام دعاء له ليس مقام تلقينه.
والعبد له ما قدم من عمله الصالح أو عمله الآخر السيئ، فمن قدم إيمانًا بالله ورسوله وتقوى لله وفقهًا في الدين أجاب يوم يسأل في القبر عن ربه ودينه ونبيه بالجواب الصحيح، وأن ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، فيقال: لقد علمنا إن كنت لمؤمنا نم صالحًا فيتمنى أن تقوم الساعة حتى يرجع إلى أهله لما يرى من الخير العظيم والنعيم المقيم، فإنه يوسع له في قبره، ويفتح له بابًا إلى الجنة، يأتيه من ريحها ونعيمها، يكون قبره روضه من رياض الجنة، فيتمنى أن تقوم الساعة الآن لما يرى من الخير العظيم.
والآخر يقال له: من ربك ما دينك من نبيك فيقول: ها ها لا أدري، سمعتم الناس يقولون شيئًا فقلته، ما عنده بصيرة كان في الدنيا ضائعًا يخوض مع الناس على غير بصيرة، فيضرب بمرزبة من حديد مطرقة من حديد عظيمة، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، لو سمعها الإنسان حين يضرب بها الميت لصعق لخر مغشيًا عليه من شدة الأمر وصيحة هذا الميت، لكن الله أخفى علينا هذه الأمور رحمة بنا ، لو أن الناس يسمعون عذاب الموتى في القبور ما تهنؤوا بنوم ولا عيش، ولكن الله أخفى علينا هذه الأمور وجعلها بينه وبينها، ولم يطلعنا عليها إلا في النوادر، وقد ثبت عنه ﷺ أنه مر على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى يعني إنه لكبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفي لفظ: لا يتنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز على كل قبر واحدة، وقال: لعله يخفف عنهما مالم ييبسا.
هذا شيء أطلع الله نبيه عليه على هذين القبرين، يعذبان وأسباب عذابهما عدم التنزه من النجاسة، والمشي بين الناس بالنميمة، نعوذ بالله.
هذا يفيد الحذر من التلطخ بالنجاسات، وعدم العناية بالاستنجاء، وفي اللفظ الآخر يقول ﷺ: أكثر عذاب القبر من البول، ويقول: استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه، فينبغي للمسلم بل يجب عليه أن يتنزه من النجاسات وأن يحذرها ويستنجي استنجاء شرعيًا من بوله غائطه ويتحفظ من النجاسة، وأن يحذر المشي بين الناس بالنميمة، والنميمة نقل الكلام السيئ من زيد إلى عمرو، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، يثير الفتنة بينهم، والله قال: فيك فلان كذا، يقول: فلان فيك أنك بخيل، وأنك سيئ الخلاق، وأنك وأنك، ينقل كلامًا قبيحًا من زيد إلى عمرو أو من جماعة إلى جماعة أو من قبيلة إلى قبيلة أو من قرية إلى قرية يثير بينهم العداوة والشحناء، هذه هي النميمة التي فيها الوعيد الشديد، نعوذ بالله، قال فيها النبي ﷺ: لا يدخل الجنة نمام هذا وعيد عظيم، وفي هذا الحديث أنه يعذب في قبره وهذا شيء خاص، الجريدة خاص في هذين القبرين كما سمعتم في كلام الشيخين، والرسول ﷺ لم يفعله مع القبور كلها، وإنما فعله مع القبرين، فدل ذلك على أن هذه الجريدة أو غير الجريدة لا ينصب على القبور ولا يغرس فيها أشجار؛ لأن الرسول ما فعله ولا صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه فلما اقتصر عليه الصلاة والسلام على القبرين المعذبين دل على أنه لا يغرس على بقية القبور لا جريد ولا غيره؛ لأن الرسول لم يفعله عليه الصلاة والسلام مع بقية القبور، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وما يروى أن بريدة أوصى بذلك فهو محمول على أنه ظن أن هذا سنة فلهذا فعله، لكن الخلفاء الراشدين وكبار علماء الصحابة لم يفعلوا ذلك لعلمهم بأن هذا شيء خاص بالقبرين وليس سنة تتبع.