خطورة الاختلاط والخلوة

وسمعتم ما يتعلق بعمل النساء مع الرجال وما يتعلق بتبرج النساء، وقد أجاد الشيخان في ذلك، ولا شك أن عمل المرأة مع الرجل وما يدعو إليه كثير من الناس إما جهلًا، وإما ضعف إيمان، وإما نفاقًا؛ لأنه ليس بمسلم في الحقيقة، ما يدعو إليه بعض الناس في الصحف وغير الصحف من عمل المرأة إلى جنب الرجل في كل مكان دعوة للفساد، ودعوة للاختلاط الفاسد، ودعوة للزنا، ودعوة إلى انقلاب الأوضاع وتغيرها من صلاح  إلى فساد، نسأل الله العافية والسلامة، ولو كان أولئك يعقلون عواقب الأمور كما ينبغي لكان لهم فيما وقع في الدول المجاورة عظة وذكرى، فالواجب أن تكون المرأة لها عملها الخاص، وللرجال عملهم الخاص، المرأة هي سيدة البيت، وهي مربية في البيت، ولها العناية بأولادها وبحال زوجها، فإخراجها من البيت لا ينبغي إلا لمصلحة لا بد منها بعيدة عن الشر، فإذا خرجت المرأة من البيت من يقوم بالبيت؟ ومن يتولى الأولاد؟ ومن يقوم عليهم ويصلح شؤونهم؟ فينتج عن خروجها من البيت فساد كبير، وضياع للأولاد، وإذا تولى الأولاد نساء أجنبيات جاهلات أو كافرات أو فاسقات ترتب على هذا شر كثير للأولاد أيضًا.

ولكن ما تدعو له الحاجة من خروجها لتكون معلمة لبنات طبيبة للنساء ممرضة للنساء هذا لا حرج فيه مع مراعاة ما أوجب الله في ذلك من الصيانة والتستر والحجاب والبعد عن الريبة، فعمل المرأة في جنسها وفي ميدانها أمر لا حرج فيه، وإن كان قد يحصل في البيت ما يحصل من الضرر، ولكن الحاجة ماسة إلى هذا الشيء مع وجوب العناية بالأولاد، والحرص على ما يقوم بكفالتهم وإصلاحهم والعناية بهم.

أما كونها تعمل مع الرجل في مكتبه في مصنعه إلى غير ذلك هذا له فساد كبير، وله عواقب وخيمة، فالسكرتيرة الآن التي تعمل في المكاتب بالنسبة إلى بعض الناس وبالنسبة إلى الطبيب أو المدير لها عواقب وخيمة، وليس بجائز، بل يجب أن يكون عمل المرأة في حقل النساء، وفي ميدان النساء، لا في ميدان الرجال، فإن ذلك له عاقبة وخيمة، وشر مستطير، فيجب على ولاة الأمور وعلى أعيان المسلمين التعاون في هذا الأمر، وأن تكون المرأة في ميدانها في ميدان الطب للنساء، في ميدان تعليم النساء، في ميدان إرشاد النساء، إلى غير ذلك مما هو من عملها ومن ميدانها، وللرجل عمله وما يقوم به في طب الرجال وتعليم البنين وغير ذلك.

وإذا سلكت المسالك الصالحة وسير على الطريق القويم استقام المجتمع، وصلح المجتمع، وسلمت فئة المسلمين من التلوث والشر، والشارع جاء بسد أبواب الشر وسدها، قطع الذرائع، وشرع الله لنا من حماية ما أوجب الله ومن سد الطرق إلى ما حرم الله شرع الله لنا في ذلك سد الذرائع المفضية إلى المحرمات والمفضية إلى ترك الواجبات حتى تصان الحقوق، وحتى يقوم أمر الله على وجهه الشرعي، وحتى يبتعد عن محارم الله .

وهكذا ما يتعلق بركوب المرأة مع السائق أو مع الأجنبي فالخلوة صرح الرسول  ﷺ بتحريمها، يقول عليه الصلاة والسلام: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، وقال: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، هذا لا بد من رعايته، ولهذا شرع الله لهن القرار في بيوتهن وعدم التبرج لئلا يقع الفساد، تبرجها في الأسواق من وسائل الفساد، وغض البصر من وسائل السلامة، والحجاب من وسائل السلامة، فشرع الله لنا غض البصر والحجاب ولزوم البيت إلا من حاجة؛ لأن هذه من طرق الصلاح ومن وسائل السلامة، وحرم إطلاق البصر والتبرج في الأسواق وإظهار المحاسن والمفاتن وكثرة الخروج إلى الطرقات لأن هذه من وسائل الفساد، ومن وسائل الشر، والواجب على المسلمين في مجتمعاتهم وعلى ولاة أمرهم أن يأخذوا بأسباب الصلاح، وأن يبتعدوا عن أسباب الفساد.

وهكذا ما يدعا إليه اليوم من إيجاد النوادي للنساء هو أيضًا من هذا الباب، هو من وسائل الفساد أيضًا، ومن وسائل الشر وعواقبه وخيمة، وقد علم الناس ما وقع من نوادي الرجال من إضاعة الصلوات كثيرًا، ومن فتنة وشحناء بين أصحاب النوادي إلى غير ذلك، فكيف بنوادي النساء؟ وما يترتب عليها وعلى خروجهن إليهن وعلى اجتماعهن فيها وعلى من يراقبها ماذا يترتب على ذلك من الشرور والعواقب الوخيمة، فالخير له دعاة، والشر له دعاة، ودعاة الشر كثيرون، فالواجب على ولاة الأمور وعلى كل من له كلمة مسموعة على أهل العلم وعلى غيرهم من أعيان البلاد في كل مكان وعلى من له كلمة في هذا المجال أن ينصح لله ولعباده، وأن يشير بما يعلم من الخير، وأن يحذر مما يعلم من الشر، وعسى الله أن يجعل في ذلك التعاون الخير الكثير والصلاح للمسلمين والعاقبة الحميدة.

وهنا أمر لا بأس بالتنبيه عليه وهو أن ركوب المرأة مع السائق فيه تفصيل: أما كونها وحدها فلا شك أن هذا لا يجوز إذا كان غير محرم، أما أن يكون معها امرأة عاقل أو رجل فلا شك أن هذا لا بأس به، وليس بخلوة، الخلوة إذا كانت وحدها فإن الشيطان ثالثهما، أما إذا كانوا ثنتين أو ثلاث أو معهما رجل آخر وليس المقام مقام ريبة بل مقام خير ليس مقام ريبة فليس في هذا حرج، فالناس يضطرون إلى هذه الأشياء وليس كل امرأة عندها محرم يلزم معها ويجيء معها، وقد جاء في الحديث رواه مسلم في الصحيح: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها رجل أو رجلان، فإذا كان مع المرأة رجل أو رجلان أو امرأة أو نحو ذلك ممن تطمئن إليه زال محذور الخلوة، أما إذا كان الذي معها لا يطمئن إليه بل هو محل الريبة أو المرأة التي معه هي محل الريبة هذا هو وجه المنع، فلا يزال المحذور بمن فيه الريبة، مثل ما تخرج وحدها لقضاء حاجتها إذا أمنت تخرج إلى المسجد إلى السوق وحدها لقضاء حاجاتها إذا كانت الطرق آمنة كهذه البلاد والحمد لله، فالمقصود أن الخلوة في السفر وفي المكان فلا يسافر بها وحدها، ولا يخلو بها في مكان وحدها ليس معهم خلط يمنع الخلوة، فإذا كان معهم من يمنع الخلوة زال المحذور إلا إذا كان المخالط محل الريبة فيمنع.

وكلمة أخرى ذكر الشيخ إبراهيم في حق من شكر الهيئة لا شكر على واجب وهذه كلمة يقولها كثير من الناس وأنا لا أعلم لها أصلًا، بل الواجب يشكر على فعله، ومن اتقى الله واستقام على أمره يشكر ويدعا له بالتوفيق، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والله أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته، وهو سبحانه شكور يشكر من استقام على أداء الواجب وعلى ترك المحرمات، وهو الشكور الغفور سبحانه وتعالى، فمن شكر من حافظ على الصلوات ومن أدى واجبه في الأمر والنهي من شكره فهو مأجور، وإن كان ما قام به واجبًا، فالشكر يساعد المؤمن ويعينه ويشجعه، ويبين أن الناس قد شعروا بعمله الطيب، فإذا شكروه عليه فهو عمل حق، وهم مأجورون على شكرهم لمن فعل الواجب، وعليه أن يضاعف من جهوده، وأن يسارع إلى الخيرات حتى يشكر أكثر، وحتى يعان أكثر، فلا حرج في أن يشكر على الواجب، وأن يدعا له على فعل الواجب، فمن عمل ما يجب من أداء الأمانة في المحافظة على الصلوات في الجماعة من أداء الزكاة من المسارعة إلى حج بيت الله الحرام والتحفظ في ذلك من العناية بحجاب أهله إلى غير ذلك يشكر على ما فعل من الخير، ويدعا له، ويشجع على الاستمرار والثبات على ما أعطاه الله من الحق.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.