... وهو مبني على المادة كما سمعتم لا إله والحياة مادة نعوذ بالله، وهذا هو مذهب الاشتراكيين والشيوعيين، فإن الشيوعية اشتراكية هؤلاء الشيوعيين الموجودين يسمون أنفسهم بالاشتراكيين ويقول لنظامهم النظام الاشتراكي، فالاشتراكية هي الأصل والشيوعية هي النهاية، ويزعمون أنهم مشتركون في الأموال، وفيما يدعون إليه بزعمهم من الإصلاح، ولكنهم في الحقيقة مفسدون ظالمون كما يقول المنافقون: إنهم مصلحون ولكنهم مفسدون، والشيوعية معناها مثل ما تقدم لكم أنهم يرون أنه يجب أن تشاع الأموال وأن تشاع النساء وألا يكون للإنسان زوجة خاصة وألا يبالي ببنته ولا أمه ولا غير ذلك، فيكون النساء مشتركات يتمتع بالنساء بما شاء، والأولاد لهم حاضنات يحضنونهم، وتبقى النساء يتولاها من شاءها، ويطؤها من شاء، وتعشق من شاء إلى غير ذلك، والأموال كذلك بيد الحكام، لا ملك إلا للحكام، ينتزعون الأموال والأراضي بأيديهم والبيوت بأيديهم وكل شيء بأيديهم يتصرفون في ذلك حتى يميتوا حركة الناس، وحتى لا يستطيع أحد أن يقوم ضدهم، فالأموال في أيديهم والسلاح في أيديهم.
وبلغني أخيرًا أن السوفيت الشيوعيين تنازلوا أخيرًا عن بعض الممتلكات الصغيرة، وأبلغني بعض أعيان المسلمين هناك أنهم تنازلوا الآن عن بعض الشيء وصاروا يعطون الإنسان مزرعة صغيرة وبيتًا ونحو ذلك؛ لأنهم عرفوا أن الناس ضدهم، وأن التكدر والاستنكار والقيام ضدهم أمر واضح بسبب ضغطهم وظلمهم وعدوانهم، فصاروا يتنازلون شيئًا بعد شيء، وأما قولهم: إن الحياة مادة، وأن ما وراء المادة لا صحة له ولا وجود له أمر باطل وأمر كذب، هم يعرفونه بأنفسهم لكن يلبسون على الناس الأمر، ويخلطون على الناس الأمور، وإلا فهم يعلمون أن وراء المادة أشياء عرفوا بعضها وجهلوا بعضها لكن عرفها الرسل وعرفها أتباع الرسل، فقولهم لا إله والحياة مادة هذا من أبطل الأشياء، بل أبطل شيء، فهناك إله يجب أن يعبد ويطاع ، والمادة لها شأنها، والغائب له شأنه يعلمه الله، ويعلمه من تعلم ما جاءت به الرسل وعرف ما جاءت به الرسل، وقد أورد عليهم ما سمعتم من أمر الروح وأمر الكهرباء فما استطاعوا إلى الرد سبيلا، فالكهرباء موجودة ومعلومة وترتب عليها أمور عظيمة في الطيران في السلاح وفي كل شيء، ومع ذلك لم يعرفوا سرها، وهكذا الروح، الإنسان والحيوان لا بقاء له ولا وجود له بدون روح ومع ذلك ما عرفوا حقيقتها، والله يقول سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
فهم الآن يزعمون أنه لا إله والحياة مادة، وهذان الشيئان من أمور المادة، وما عرفوا شأنهما ولا حقيقتهما.
وأمر ثالث أورد عليهم أيضًا وهو العقل، قال: العقل معروف ومشهور وبه تميز الأشياء وبه يعرف العاقل من المجنون والمعتوه وبه يعرف من يصلح للولاية والأخذ والعطاء ومن لا يصلح لذلك ومن يصلح لأن يعتمد عليه في إصلاح شأن أو إقامة شركة أو كذا أو كذا ومن لا يصلح لذلك فالعقول موجودة ومتفاوتة فأين العقل؟ ما هو العقل؟ أين العقل؟ ليس من المادة، لا يعرفونه وهو أمر موجود إذا اختل اختل كل شيء من الإنسان، موجود في قلبه وله اتصال بدماغه، ومع ذلك هؤلاء الضالون ما عرفوا ذلك، ما شاهدوه بالعين، ولا سمعوه بالسمع، ولا لمسوه باليد ولا ذاقوه بالطعم، ولا شموه بالأنف، هذا العقل ليس له اتصال إليه بالحواس الخمس، فعلى قولهم ليس في الدنيا عقلاء؛ لأن العقل غير موجود بهذه الحواس الخمسة، وليس في الدنيا روح، وليس في الدنيا كهرباء، والواقع خلاف ذلك، الواقع يفسد عليهم ما قالوا، ويكذب ما قالوا.
ثم أمر آخر رابع هم يعرفون أن في الدنيا مدنًا ودولًا ما شاهدوها هم يؤمنون بها، أمم ودول ومدن ومعادن ما شاهدوها لا سمعوها بأسماعهم ولا رأوها بأعينهم ولا لمسوها بأيديهم ولا ذاقوها بألسنتهم ولا شموها بأنوفهم وهي موجودة معروفة عرفها الناس بالخبر بالنقلة، هم أنفسهم عرفوا ذلك، كثير منهم ما زاروا أمريكا ولا عرفوا وجودها ولا زاروا أوروبا ولا عرفوا مدنها، من أين عرف ذلك إلا بالنقل، نقل الأخبار بالإذاعات بالمسافرين بالكتب وغير ذلك، نقلت الأخبار فآمن الناس أن هناك دولة أمريكية، هناك مدنًا أمريكا معروفة، هناك معادن في أمريكا معروفة، هناك دولًا معروفة في أوربا، إلى غير ذلك، هناك مدن هناك معادن هناك أشياء في الغرب في الشرق في الصين الشعبية في غير ذلك، فإذا قيل: جاءت الأخبار إذا قالوا: نعم، عرفناها بالخبر وبالنقلة، ومن طريق الإذاعة ومن غير ذلك، نقول: نعم هكذا عرفنا الجنة عرفنا النار عرفنا ربنا عرفنا الحساب والجزاء بما نقله الرسل، وبما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبما جاءت به الكتب المنزلة من السماء، فإذا كانت الكتب والنقلة والإذاعة تثبت فيها المدن والدول التي ما شاهدوتهما فهكذا ما جاء به الرسل عن الله، وما جاءت به الكتب، وما شوهد من الآثار، كل هذا دلائل وبراهين ساطعة على ما جاءت به الرسل، وعلى ما أخبرت به الرسل من أمر الجنة، وأن الله أعد الجنة للمتقين، وأعد النار للكافرين، وأن هناك بعثًا ونشورًا، وهناك حسابًا وجزاءً، وأنه هناك ربًا موجودًا يعلم كل شيء، وهو فوق العرش في العلو، فطر الله عليه العباد، وعرفوه بعقولهم، وجاءت الرسل بذلك شاهدة ناطقة، وجاءت الكتب بذلك، فأبطل الله كيد المجرمين، وأبطل الله فسادهم وضلالهم وآراءهم الكاسدة، وأوضح الله الحق على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى الكتب المنزلة من القرآن وغيره، كل هذا واضح لأهل الإيمان والبصائر، وإن أنكره أولئك الكاذبون أولئك الشيوعيون ببهتانهم وضلالهم وانحرافهم، وهم يدخلون على الناس من جهات من جهة الفقر يقولون لهم: نحن نعطيكم الأموال، ونأتي بالأموال، شعارات براقة خبيثة ووسائل معسولة فاسدة لا حقيقة لها، ولكن يخدع بها الجاهل، فالجهل والظلم والفقر والنزغة كل هذه الوسائل لهؤلاء الخبثاء الذين انتشروا في الكثير من البلاد بسبب الجهل من المسلمين وأهل البلاد التي دخلوها، وبسبب ظلم الحكام في غالب البلاد، وبأسباب زعمهم أنهم يحمون المرأة وينصرون المرأة، وهم في الحقيقة أعداؤها والساعون في فسادها وفي خروجها من الصيانة إلى الرذيلة وإلى التهتك وإلى التلاعب بها، وكذلك هم الظلمة إذا ادعوا أنهم يزيلون الظلم، فهم أظلم الظلمة، هم الذين يظلمون الناس، وهم الذين يمتصون دماء البلاد وأهلها، وهم الذين يأخذون خيراتها، وهم الذين يفككون أهلها، ويستعبدونها حتى لا يكون لهم حراك ولا قيام بأي شيء، بل ما عمله العاملون وكدح فيه الكادحون فهو للدولة ليس للكادح والعامل إلا ما يسد به جوعته ويستر به عورته إن حصل ذلك وإلا فكل شيء للدولة، فأين الخير عند هؤلاء؟ وأي ربح عند هؤلاء؟ أي سعادة عند هؤلاء؟ ما عندهم والله إلا الفقر، والضلال، والفساد، وقتل الفضائل، وإقامة الرذائل، والاستيلاء على خيرات البلاد، وظلمهم، وإدخال السوء عليهم من كل باب، وامتصاص ثروات بلادهم، والقضاء على كل خير عندهم، فهذه حالهم كما كان في حال الفرس.
ولما عرف ملوك الفرس العقلاء فسادهم قضوا عليهم، ثم جاءوا في آخر الزمان لما تغيرت الأحوال وقل ملوك الإسلام وقل العلماء وقل المتبصرون جاء هؤلاء الفاسدون المفسدون الظالمون إلى الناس يدعونهم إلى هذه الرذيلة، يدعونهم إلى إنكار ما جاءت به الرسل، وإنكار الآخرة، وإنكار الجنة والنار، ودعوتهم إلى الفساد وشيوعية الأموال والنساء، حتى يكون الإنسان كالبهيمة كالحمار لا يبالي ولا يعرف شيئًا إنما يعرف السفاد يعرف النساء والأكل والشرب ونحو ذلك، ولا يعرف ربًا ولا إلهًا، ولا شريعة ولا حاكمًا، ولا جنة ولا نارًا، نسأل الله العافية.