الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة التي تولاها صاحب الفضيلة الشيخ: محمد بن حسن الدريعي، فيما يتعلق بالشيوعية وأصولها ووسائلها ونتائجها وعواقبها الوخيمة، ولقد أجاد وأفاد وأبان الكثير من شأن الشيوعية وخبثها وأصولها الفاسدة ووسائلها الخبيثة الباطلة، فجزاه الله خيرًا، وبارك فيه، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى وتوفيقًا.
أيها الإخوة إن هذا البلاء الذي وجد في الناس اليوم بلاء خطير يجب أن يحارب من الملوك والرؤساء والأعيان والعلماء ومن كل مسلم؛ لأنه بلاء تقبله النفوس الضعيفة الجاهلة، وتحسب أن فيه دواءها، وأن فيه شفاءها مما وقعت فيه من فقر أو ظلم أو حرمان من بعض الأمور، فيظن الجاهل وقاصر النظر أن فيما تدعو إليه الشيوعية من شعاراتها البراقة وأساليبها المعسولة الخداعة يحسب أنه يحصل على جنة عالية، ويحسب أنه يحصل على ما يريد ولم يعلم المسكين أنه إنما يحصل على الفقر والبلاء والبؤس والفساد وإضاعة الدين والدنيا جميعًا، فليس عند الشيوعية إلا الفساد: فساد الأخلاق، وفساد الأديان، والحرمان من كل خير، فهي تشيع الرذيلة، وتقتل الفضيلة، وتحارب الأديان كلها، كل ما يسمى دين ولاسيما دين الإسلام الحق، وهي تزيد الفقير فقرًا، وتحارب الغنى وترد أهله إلى الفقر، وتستولي على مصالح البلاد وثرواتها وخيراتها، ويختص بها الحزب الشيوعي الحاكم يتمتع بخيراتها وما فيها من النعم، وتبقى الشعوب محرومة مضطهدة مظلومة في أشد الفقر والحاجة والبؤس والبعد عما يجب عليهم من دين الله.
وقد كانت الشيوعية مذهبًا قديمًا عرفه الناس قديمًا كان موجودًا في الفرس، وكانت تبناه جماعة منهم، واشتهر عن المزدكية وكانوا يقولون: إن الناس إنما يتحاربون من أجل المال والنساء، فلنعمل على إشاعة النساء وإشاعة المال حتى يكون المال مشتركًا والنساء مشتركات فتنتهي الحروب وينتهي الإِشكال، هذا ظنهم الخبيث، فقاموا بهذا وغلبوا على بعض ملوك الفرس واستضعفوه ودعوا إلى شيوعية النساء وشيوعية المال، وقالوا: هذا المال يكون مشتركًا بين الناس لا يختص به أحد دون أحد، وهكذا النساء حتى تعدوا على المصونات من النساء وعلى نساء الحكام والأمراء واستعملوا معهن ما لا ينبغي من الفاحشة.
وشاع هذا المذهب وانتشر بين الناس قبل الإسلام في بلاد الفرس؛ فانتبه لهذا حكامهم المتأخرون قبل الإسلام وقاموا على هذا البلاء وقتلوا من قتلوا من دعاته، واستنقذوا البلاد منه لما عرفوا من ظلمه وشره وفساده.
وجاء الإسلام يحارب هذا المذهب ويؤكد ما قام به ملوكهم المتأخرون من محاربته؛ لأنه مذهب فاسد غاية الفساد، يحرم الإنسان من ماله، ومن تعب يده، ومن عرق جبينه، ومما استولى عليه بالأسباب التي فطر الله العباد عليها.
وكذلك يمنعه من السيطرة على بنته وعلى زوجته وعلى أخته وعلى أمه وغير ذلك، فتنتهب النساء وتستحل الحرمات وتنهب الأموال وتستباح أموال الناس هذا أصل هذا المذهب الخبيث، وقد أماته الله دهرًا طويلًا، ثم أقام المسمى ماركس كان مسيحيًا وأصله من اليهود فتبنى الدعوة إلى هذا وإحيائه، وشاركه أناس من الناس وقام به ونشره حكام السوفييت من لينين وستالين ومن جاء بعده من هؤلاء الموجودين، وهكذا الصين الشعبية، وهكذا تلقاه دول أخرى لما فيه من الفساد، والاستيلاء على الأموال، فإن الحاكم يستولي على الأموال والنفوس والسلاح وعلى كل شيء يكون كل شيء بيده، فلهذا مال إليه أولئك الحكام ودانوا به، ودعوا إليه؛ ليملكوا به الناس، ويستعبدوا به الناس، وليأخذوا أموالهم وثرواتهم ونسائهم.