بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الكلمة المباركة القيمة التي ألقاها فضيلة الشيخ سعود بن عبد الله الفنيسان في موضوع يهم المجتمع كثيرًا، وهو موضوع المغالاة في المهور والولائم، وقد كان المقرر أن يشترك معه في هذا الموضوع الشيخان: علي بن عبد الله آل الشيخ، والشيخ سعد بن محمد الريان، ولكنهما لم يحضرا، ولأنهما لم يذكرا لأن التبليغ قد كان في وقت متقدم والعادة أن العضو في كل ندوة يبلغ في الوقت الذي يقرب من وقت الندوة ولعلهما لم يبلغا فهذا هو العذر، وقد قام بما ينبغي العضو الثالث فضيلة الشيخ سعود فأجاد وأفاد، وأوضح في هذا المقام ما ينبغي إيضاحه، فجزاه الله خيرًا وضاعف مثوبته، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، لا شك أن المقام مقام عظيم، والحاجة إلى التطبيق فيه شديدة، وقد بين فضيلة الأستاذ سعود أن المقام يحتاج إلى تكاتف وتعاون في التطبيق، وأن القول قد ينتفع به الأفراد، وينفع الله به من يشاء إذا سمع العظة والذكرى، فيجتهد في تخفيض المهور، ويجتهد في تخفيض الوليمة، ويتفق مع أهله ومع صهره في ذلك، ولكن المقام يحتاج إلى شيء فوق ذلك.
وسبق أن درس هذا الموضوع في هيئة كبار العلماء وصدر فيه قرار أعلن في وقته، ونشر في الصحف المحلية، وفي الإذاعة، وبلغ إلى ولاة الأمور في وجوب محاربة الإسراف والتكلف الزائد الذي يمنع الكثير من الناس من الزواج، ويبقي الشباب في حيرة من الأمر، وفي عجز شديد عن الحصول على الزوجة التي تعفه، وتبقى الفتيات بأسباب هذا الغلاء عوانس في البيوت، وقد تكلم الكتاب في هذا كثيرًا، وكتبت في هذا أيضًا منذ وقت قريب تعليقًا على ما يتعلق بالموضوع، وما يترتب عليه من المفاسد، ولكن الاستجابة ليست على المطلوب لما ذكره الشيخ سعود من الأسباب، ولأسباب أخرى، فالجهل غالبًا يؤثر كثيرًا ولاسيما في النساء، فإنه يغلب عليهن الجهل بمضار التكلف في الولائم، والتكلف في المهور، لا يهمهن غالبًا إلا أن يقلن بنت فلان كذا وبنت فلان كذا، وتقول أمها وأخواتها الكبيرات أو خالتها أو عماتها ما شأنها؟! لماذا تتساهلون في شأنها؟! وما الذي يرفع بنت فلان أو بنت فلان عليها؟! ولا يقبلون إلا ما وافق أهواؤهن من المهور، ولا يرضين بالولائم والحفلات إلا بما يناسب حالهن، ويقلدن فيه غيرهن، هذا هو الغالب على كثير من النساء، وقد يضطر الزوج وإن كان قويًا وإن كان حكيمًا وإن كان ذا فهم وعلم قد يضطر مكرها إلى النزول على رغبتهن؛ لأنهن يغلبن الرجال كثيرًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب من إحداكن، لذي لب يعني لذي عقل، وفي لفظ: بالرجل الحازم ما هو بالحازم، الحازم بالرجل الحازم من إحداكن فهن إذا صممن على شيء يصعب التخلص منهن على الزوج وعلى غير الزوج، وقد يفضي هذا إلى الطلاق من الرجل للمرأة لأم البنت، وقد يفضي إلى شر كثير إذا تصلب بسبب أنهن يتصلبن أكثر.
فلا سبيل إلى التخلص من هذا البلاء فيما يظهر وفيما ذكر الأستاذ وغيره الأستاذ سعود إلا من طريق التكاتف والتعاون في التطبيق من الكبراء والرؤساء المقتدى بهم من علية القوم من الأمراء والعلماء والأغنياء وأعيان الجماعات، فإذا سعوا في هذا وتكاتفوا في هذا وتعاونوا وطبقوا وخففوا المهور وخففوا كلف الولائم فإن هذا هو الطريق السوي بإذن الله وتوفيقه هو الطريق السوي للتساهل في هذه الأمور، والتخفيف منها، وتخفيض ما يضر بالزوج ويضر بالأسرة ويضر بهذا المشروع، أما المنافسات والمفاخرات من ذا ومن ذا ومن هذه ومن هذه فهذا هو طريق الدمار، وهذا هو طريق الفساد وهذا هو الطريق في تقليل عفة النساء وعفة الرجال؛ لأسباب هذه الحقائق.
وسمعتم ما ثبت عنه ﷺ أنه كان صداقه لزوجاته لا يزيد على ثنتي عشرة أوقية ونش، والأوقية أربعون درهمًا، فالمعنى أنه كان يصدق نساءه خمسمائة درهم، هذا هو المهر، والدرهم ذاك الوقت صغير يشبه ربع ريال اليوم من الفضة، فخمسمائة تشبه الفضة اليوم، والريال اليوم مائة وثلاثين درهمًا أو ما يقارب ذلك، وكانت بناته في الغالب يصدقن أربعمائة درهم هذا هو الغالب والسائد، وإذا زاد شيء من ذلك فهو قليل، كما أصدق النجاشي أم حبيبة بنت أبي سفيان حين خطبها النبي ﷺ أصدقها النجاشي وهو ملك الحبشة أصدقها أربعمائة دينار أربعة آلاف درهم، وهذا شيء نادر صدر من ملك في حق أم حبيبة لما خطبها النبي عليه الصلاة والسلام يوم هاجرت إلى الحبشة.
ثم تغالى الناس بعد ذلك بعد عهد الخلفاء الراشدين وبعد كثرة المال في دولة بني أمية وفي أوقات أخرى كثرت النفقات وكثرت الأموال وصار بعض الناس ينافس في هذه الأمور.
أما في عصرنا فقد سمعتم ما قاله الأستاذ سعود: كان الناس قبل ذلك قبل كثرة المال لا يعرفون هذا التكلف الكثير، وهذه المنافسات، بل كانت أمورهم مقتصدة، والزواج ميسرًا، ولكن الناس اليوم تغيرت أحوالهم وكثر فيهم من يملك أموالًا طائلة ولا يهمه مضرة زيد أو مضرة عمرو، وربما لا يقبل إلا بهذا المال، ليس معروفًا بديانة ولا بنسب صالح فلهذا يكثر من الأموال ويبذل الأموال الكثيرة حتى يسبي عقول الكثير من الناس ويزوجونه بذلك لأجل كثرة المال، ثم يتزوج الآخر بذلك، والآخر بذلك، والآخر بذلك، فإذا رجع الناس إلى الأسباب الصحيحة إلى العناية بالرجل الطيب الصالح ذي الأخلاق الفاضلة والاستقامة وإذا رجعوا أيضًا إلى ما يتعلق بالمرأة الصالحة من جهة الدين فعند ذلك يرجعون عن هذه المفاخرات، وعن هذه المنافسات، ويقدمون ما يناسب؛ لأن كل عصر له ما يناسبه، هذا العصر له ما يناسبه في غلاء الأشياء وتغير الأحوال، فيقدم للمرأة ما يناسب من المهور اللائقة، ويقدم في الوليمة ما يناسب من غير تكلف ولا إسراف، ولا يخفى أن كثيرًا من الولائم اليوم لا تؤكل بل ترفع إلى أماكن تطرح فيها، وربما طرحها بعض الناس لقلة دينه وقلة مبالاته في القمامات، نسأل الله السلامة والعافية.