قد عرفها الأولون وجربوها وعملوا بها فاستفادوا وأفادوا الناس، ولم يقعوا فيما حرم الله عز وجل، قد جربها الآن الكثير أيضًا البنوك الإسلامية فأفادوا واستفادوا، ولا شك في هذا لا شك أن الله إذا حرم شيئًا أحل ما يقوم مقامه، فالمعاملات الشرعية كالبيع والشراء والسلم والبيع إلى أجل والمضاربات كل ذلك فيه خير وفيه الفائدة العظيمة للمسلمين، والمؤمن إذا أعسر وضاقت به الأمور ليس له أن يلجأ إلى الربا، لا يجوز له اللجأ إلى الربا، بل إلى الشراء، يشتري يقترض إن وجد من يقرضه، فالمسلمون حق عليهم أن يتعاونوا وأن يقرض بعضهم بعضًا، وأن يعين بعضهم بعضًا على الخير، وهم شيء واحد وجسد واحد كما قاله النبي ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه في الصحيحين، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فهم كشيء واحد يجب أن يتكاتفوا وأن يتعاونوا على الطريقة التي تنفع فقيرهم وتعينه وتغنيه عما حرم الله من الربا والسرقات، ولهذا لما حرم الربا أمر بالإنظار قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] المرابون لا يرضون بهذا، يرضون إذا أعسر يزيد في المال وهم يزيدون له في الأجل، إما أن تربي وإما ان تقضي كما تقوله العرب سابقًا، هذا شأن المرابين إذا حل الدين وصاحبهم عاجز لا يرحمونه ولا يحسنون فيه، بل يقولون: ترفع النقود ويمد في الأجل، فيقول: عليك كذا وكذا والأجل كذا وكذا، فيزداد بلاء إلى بلائه وشرًا إلى شره ودينًا إلى دينه، ثم إذا حل الثاني كذلك ولم يتيسر له شيء زيد عليه في المال وزادوه في الأجل، وهكذا حتى يصبح الألف ألفين وثلاثة وأكثر من ذلك، ويصبح المليون ملايين وهكذا.
وأرشدهم مع هذا إلى الصدقة أن يقرضوه من الدين، ويتصدقوا عليه ويحسنوا، فالنفقة والإحسان أمر جاء به الشرع، ودعا إليه القرآن وحرض عليه الإنفاق في سبيل الله والصدقة على المحاويج وإنظار المعسرين، والله وضع البديل من الربا في وجوه شتى في أنواع البديل من الربا أنواع شتى المعاملات الشرعية بديل البيع إلى أجل، والشراء إلى أجل، يشتري إلى أجل في ذمته فيقضي دينه يتزوج يعمر بيته، ثم يأتي الله بالرزق بعد ذلك، إذا صدق واتقى الله بالكسب وجد واجتهد واقتصد في أكله وشربه ونفقاته فالله جل وعلا يعينه ويغنيه، كذلك المساعدة من إخوانه عن طيب نفس إذا ساعدوه بالقرض أو بالصدقة فهذا أيضا كذلك أمر آخر مما يغنيه عن الربا، والإنظار كذلك إذا عجز ينظر ولا يحمل دينًا إلى دينه، فالربا الذي هو مقصود في معظم ما جاء في النصوص من ربا النسيئة وربا الفضل وسيلة له حرام ومحرم وملعون صاحبه ربا الفضل، ولكنه من باب تحريم الوسائل؛ لأن عاقلا لا يبيع درهمًا بدرهمين يدًا بيد بلا سبب، ولكن حرم الله ربا الفضل؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى ربا النسيئة، فسد الله الباب وأوصد الباب وأنه حرم النوعين: ربا الفضل، وربا النسيئة، حتى لا يبقى طريق إلى الربا المحرم الخبيث الذي هو أشد ما يكون على بني آدم في اقتصادياتهم وفيما يتعلق بمصالحهم العامة والفردية.
ولكون الناس أكثرهم لا يعقل ولا يفهم ولا يدري إلا عن جهة الدراهم مئات تأتي مائة وعشرون ألف يأتي ألف ومائتان أو ألف ومائة مليون يأتي بعد ذلك مليون ومائة ألف أو مليون وخمسون ألفا، فهو لا يدري إلا عن هذا، ولا يدري عما وراء ذلك من عقاب وغضب الله، وسوء العاقبة، والفساد في الأرض والفساد على المسلمين، وتعطل العمال وكثرة البطالة، وقلة المصانع، وقلة المزارع، وقلة الخيرات، الأموال تذهب إلى البنوك ويتعطل الناس ويقل النقد في أيديهم بأسباب هذا البلاء، ثم الشيطان حريص على أن يخفف على الإنسان هذه المعاملات الربوية فيسارع إليها ويرى أن في البيع والشراء تعب، وفي المزارع تعب، وفي المصانع تعب وعدم راحة، فهذه الربويات ميسرة ما فيها تعب، ويسارع إلى الربا ولا يبالي حتى يحمل الديون وهو في غفلته وسكرته.
والمقصود أن الأخوين الشيخين أجادا وأفادا وبينا في هذا الأمر ما ينبغي بيانه، فينبغي لكل مؤمن أن يحذر الربا وألا يغتر بالمال لا مع البنوك ولا مع غير البنوك، الواجب الحذر الواجب على الدول الإسلامية الحذر من ذلك والرجوع إلى الله والتوبة إليه، وأن يقيموا بينهم ما يغنيهم عن هذه البنوك الخبيثة، يقيمون مصارف إسلامية تنفعهم وتعينهم، وتقضي على هذه المصارف الخبيثة التي تأخذ أموالهم، وتضيق عليهم الدنيا بعد سعتها، وتجعلهم في أوقات في غاية من الضيق وغاية من الحرج؛ بسبب وجود أموالهم في غير أيديهم في أيدي أعدائهم، فالله جل وعلا يجزي الأخوين خيرًا ويضاعف مثوبتهما.