وبهذا يعلم أن البدع وسائل الشرك، وأنها تجر إلى الشرك، فالبناء على القبور بدعة، واتخاذ المساجد عليها بدعة، والقباب كذلك، وهي من وسائل الشرك، وإرخاء الستور عليها وفرشها وإراقة الأطياب عليها كل هذا من وسائل الشرك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وقال عليه الصلاة والسلام لما ذكرت له أم سلمة وأم حبيبة كنيسة رآتها في أرض الحبشة وكانتا قد هاجرتا إلى الحبشة عند مضايقة أهل مكة للمسلمين هاجر جماعة للحبشة وكانت أم سلمة مع زوجها وأم حبيبة مع زوجها هاجرتا إلى الحبشة فرآتا كنيسة -معبد النصارى هناك- وذكرتا للنبي ﷺ ما فيها من الصور والتماثيل فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور قال: أولئك شرار الخلق عند الله، بين أنهم شرار الخلق لأنهم بعملهم هذا جروا الناس إلى الشرك ودعوهم إلى الشرك بالقبور وعبادة أهلها من دون الله.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في الصحيح من حديث جندب بن عبدالله البجلي في آخر حياته قبل أن يموت بخمس ليال قال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم يحذر الناس حتى لا يقعوا فيما وقع فيه الناس ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك، هكذا يقول عليه الصلاة والسلام لئلا يقعوا في الشرك، لئلا يصيبهم ما أصاب الناس من الضلال والشرك، فهكذا يقال في الاحتفال بالموالد، زين الشيطان للناس هذا في القرون المتأخرة، وقال: إن هذا فيه إظهار عظمة الرسول ﷺ وإحياء ذكراه ومولده، ودعاهم إلى تعظيم ذلك حتى أقاموا السردقات والأطعمة الكثيرة، وفي بعض المواضع يجتمع النساء والرجال وتشرب الخمور ويقع الزنا وغير ذلك، فهم مختلفون هم أصناف وأقسام في هذا، منهم من يقيم المولد بقراءة المولد قراءة سيرة النبي ﷺ والإتيان بقصائد ومدائح يقع فيها من الشرك ما يقع، كقصيدة البردة التي فيها الشرك الصريح وقصائد أخرى والنبي قال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولما قال له بعض الصحابة يا سيدنا وابن سيدنا أنكر ذلك وقال: السيد الله تبارك وتعالى، قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان خاف عليهم من الشرك والغلو، وهو سيد الناس عليه الصلاة والسلام، هو سيد الناس وأفضل الخلق، ولكن لما باشروه وقالوا هذه المقالة خاف عليهم من الشرك، وقال: السيد الله تبارك وتعالى، قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان، وفي لفظ آخر قالوا يا سيدنا وابن سيدنا ويا خيرنا وابن خيرنا قال: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله كل هذا لسد ذرائع الشرك وحماية للتوحيد وجنابه منهم عليه الصلاة والسلام.
فالجاهلون وأشباه الجاهلين إذا قيل لهم: اتركوا البدع ولا تأتوها، قالوا: هؤلاء جفاة، هؤلاء ما يعظمون النبي ﷺ، ما يعرفون قدر النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء ضد النبي عليه الصلاة والسلام وضد الصالحين، هذا من جهلهم يرمون من نصحهم، ويرمون من دعاهم إلى توحيد الله وإلى السنة يرمونه بالشر، يرمونه بأنه جافي، وأنه ما يعرف قدر الرسول ﷺ، وأنهم هم الذين عرفوا قدر النبي لما غلوا فيه، ولما أحدثوا البدع هم الذين عرفوا قدر النبي عليه الصلاة والسلام!