الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد الدريعي، والشيخ محمد الراوي، والشيخ جعفر شيخ إدريس، المتعلقة بالتوبة، ولقد أجادوا وأفادوا، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا منهم، وبما علمنا.
ولا شك أن التوبة أمرها عظيم، وهي فرض العمر، وفرض الزمان، والفرض الدائم الذي يجب أن يلزم، فإنها من نعم الله العظيمة، ومن رحمته ، والواجب على المسلم أن يلزمها، بل الواجب على كل إنسان أن يبادر إليها من شركه وكفره ومعاصيه؛ لأن بها تحصل له السعادة، وبتركها يكون على خطر عظيم، إن كان مسلمًا، فإن الإصرار على المعاصي خطره عظيم، وإن كان كافرًا وأصر على كفره فمصيره إلى النار وبئس المصير نعوذ بالله، فالتوبة من نعم الله العظيمة جعلها الله فرجًا للعبد وسيئاته وكفره وذنوبه، فلو أن العبد لا توبة له ولا طريق له إلى الخلاص من كفره وذنوبه لكان في أشد الحرج، ولكان في أشد المصائب، فإن الإنسان خطاء كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، لكن من رحمة الله ومن عظيم إحسانه أن جعل للعبد فرجًا من ذنوبه، وكفره، وسيئاته، بالتوبة الصادقة، بالتوبة النصوح، حتى تمحى عنه السيئات، حتى يمحى عنه كفره، كما قال : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، قال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، فجعل الفلاح في التوبة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم:8] الآية، فجعل في الآية تكفير السيئات ودخول الجنات، وهذا خطاب لأهل الإيمان، إذا كان المؤمنون مأمورين بالتوبة فكيف بحال غيرهم، غيرهم أشد حاجة وأعظم، وهم الكفار، فالواجب على كل مؤمن أن يلزم التوبة، وأن يحاسب نفسه دائمًا، وأن يبادر إلى التوبة من كل ذنب صادقًا ناصحًا، وسمعتم ما هي التوبة، وأنها تتضمن أمورًا ثلاثة: تتضمن الإقلاع من الذنوب، تسمى أركانًا تسمى شروطًا، المقصود أنه لا بد من هذه الأمور، لا توبة إلا بها:
الأمر الأول: الإقلاع من الذنوب، وتركها تعظيمًا لله، وخوفًا منه رجاء ثوابه وحذر عقابه.
الأمر الثاني: الندم على الماضي منها، يندم على ما مضى من سيئاته، من زنا، من شرب مسكر، من عقوق، من قطيعة رحم، من غير ذلك.
الأمر الثالث: العزم الصادق إلا يعود فيها بعدما من الله عليه بالخلاص.
هكذا التوبة الصادقة ويضاف إلى ذلك أمر رابع يتعلق بحق المخلوقين: لا بد من رد الحقوق إلى أهلها أو تحللهم منها، كل من كان عنده حق لأخيه من دين من غصب من أي نوع من أنواع الظلم لا بد من التحلل من ذلك حتى يعطيه حقه أو يستحله من ذلك، فإذا حلله وأباحه سقط، كما قال النبي ﷺ: من كان عنده مظلمة لأخيه فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.